التعليم المفتوح لطلاب الشهادة ثانوية العامة
مصريات – د. محمود عطية: ما آثاره قرار إلغاء شرط مرور سنوات خمس للالتحاق ببرامج التعليم المفتوح لطلاب الثانوية العامة من ردود فعل مضادة أو مؤيدة لم يهدأ بعد.
فمازال يراه البعض قرارا مفاجئا وصادما ويخل بمبدأ تكافؤ الفرص، وآخرون يضعونه في خانة الإتاحة وتوسيع منافذ التعليم.
حيث قرر المجلس الأعلى للجامعات في اجتماعه منتصف يوليو الماضي إلغاء شرط مضي خمس سنوات للالتحاق بالتعليم المفتوح للحاصلين على الثانوية العامة فقط..، وأبقى المجلس هذا الشرط على الحاصلين للدبلومات الفنية.
ويعترض على ذلك بعض خبراء التعليم ويصفونه بأنه مخالف لما تنادي به اليونسكو من إتاحة فرص متساوية للتعليم للجميع علاوة على انه مخالف للدستور.. ويهدر مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين الحاصلين على الثانوية العامة بمجاميع منخفضة وأخرى مرتفعة وأيضا بين الحاصلين على الدبلومات الفنية.
كما يكرس نظرة الازدراء نحو التعليم الفني مما يتعارض مع توجهات الدولة نحو المساواة والديمقراطية في التعليم بين أبناء الوطن الواحد..!
ولكن هل قرار المجلس الأعلى للجامعات مفاجئ فعلا؟ وهل يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الثانوية الواحدة وبين الحاصلين على الدبلومات الفنية.
وإذا ثبت ذلك حقيقة فما مستقبل التعليم المفتوح في ظل ما يثار حوله من اتهامات وما يقال من أنه تم فتح أبوابه للحاصلين على الثانوية بأدني مجموع دون أن تقوم الجامعات بإنشاء برامج جديدة غير القائمة..وما يردده أصحاب الجامعات والمعاهد الخاصة من أن القرار يسحب منهم الطلاب..كل هذه الاتهامات نبحثها في تحقيقنا هذا..!
في البداية وحتى لا ننسي بعد فتح أبواب التعليم المفتوح للطلاب بداية الثمانيات ووضع شرط مرور خمس سنوات للالتحاق به للحاصلين على الثانوية العامة والدبلومات دون تمييز..تعالت أصوات بعد ذلك بقليل وبالتحديد منذ التسعينات تتحدث عن إلغاء هذا الشرط.
ففي سنة 1994 من شهر أكتوبر عقدت جامعة القاهرة ندوة دولية للتعليم المفتوح استمرت 3 أيام..في ختام أعمالها أوصت الندوة بضرورة الغاء قيد تحديد مدة الالتحاق بالتعليم المفتوح أي شرط السنوات الخمس..وبأهمية إنشاء اتحاد عربي للتعليم ..!
تاريخ الإلغاء
وصرح نائب رئيس جامعة القاهرة في ذلك الوقت د.على السلمي:بان التعليم المفتوح لا يتعارض مع التعليم التقليدي بل انه يوفي باحتياجات المجتمع لمن يرغب في مواصلة التعليم العالى كما انه لا يمثل أي ارتداد للتعليم الجامعي..وفي بداية التسعينات أيضا كان د.مفيد شهاب وزيرا للتعليم العالى في ذلك الحين قد طالب المجلس الأعلى للجامعات بتشكيل لجنة لإعادة تقييم نظام التعليم المفتوح..!
وبعد عمل اللجنة المشكلة اقترحت قبول الحاصلين على الثانوية العامة وما يعادلها بعد مرور 3سنوات فقط على المؤهل الدراسي بدلا من 5سنوات..كما اقترحت مرور 3سنوات على الشهادات الفنية المتوسطة والعمل فعلا في مجال التخصص الدراسي عند الالتحاق ببرامج الإعلام والتجارة..وأشارت اللجنة الى ضرورة استثناء العاملين في مجالات التخصص من شرط الحصول على الثانوية العامة.
والعام الماضي وبكل هدوء ودون ضجة استثني المجلس الأعلى للجامعات 7 محافظات من مرور شرط الخمس سنوات ولم تقم الدنيا أو تقعد..
وفي بداية شهر يوليو الماضي قرر المجلس الأعلى للجامعات برئاسة د.هاني هلال وزير التعليم العالى والدولة للبحث العلمي إلغاء شرط السنوات الخمس بالنسبة للحاصلين على الثانوية العامة بل وأبقته على الدبلومات الفنية فقط..وقيل إن الإلغاء الأخير جاء بناء على طلب نواب مجلس الشعب ولجنة التعليم بالمجلس برئاسة د.شريف عمر رئيس اللجنة.. وصرح د. هاني هلال بأنه أبقي على شرط السنوات الخمس بالنسبة للدبلومات لأنه يتمشي مع خطة تطوير التعليم الفني وهناك كليات تكنولوجية جديدة لاستيعاب حملة الدبلومات..وأشار المجلس أنه أبقي على هذا الشرط للدبلومات حرصا على استمرار المعاهد الخاصة العالية..!
ولكن بعد صدور القرار السابق بدأت أزمة عنيفة وردود أفعال غير مرحبة بالقرار..فمثلا لجنة التعليم بمجلس الشعب وصفت القرار بأنه ردة عن الجودة وعدم احترام لمبدأ تكافؤ الفرص بسبب المساواة بين الحاصلين على أكثر من 95٪ و50٪ في الالتحاق بكلية مثل الإعلام..وصرح د.شريف عمر رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب بأنه قلق من حدوث أي تجاوزات تخل بمبدأ الجودة وهي الأساس بالنسبة للعملية التعليمية وسمعة الجامعات المصرية مشيرا الى إن لجنة التعليم أكدت للدكتور هاني هلال وزير التعليم العالى والدولة للبحث العلمي ان الهدف الاساسي من توسيع قاعدة التعليم المفتوح على مستوى المحافظات والاستثناء من شرط مرور خمس سنوات هو زيادة مساحة الإتاحة تدريجيا للالتحاق بهذا النوع من التعليم.
وعلى جانب آخر صرح د.فاروق إسماعيل رئيس لجنة التعليم بمجلس الشورى في إحدي المقابلات بأن هذا القرار عبث شديد..ولم يراع فيه مصلحة الوطن والنظرة المستقبلية..ومخطئ من يتصور أن سلبياته تقتصر على الناحية التعليمية فقط بل إن هناك آثارا اجتماعية غاية في السلبية ..فالى جانب الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب فانه يفتح بابا خلفيا لكليات القمة..كما ان له بعدا تربويا عنيفا على الشباب في مثل هذه السن ..فبدلا من ان نوفر له بيئة لتنمية ملكاته ومهاراته وإدماجه في المجتمع من خلال التواجد مع زملائه والحوار مع أساتذته عن قرب واكتساب المثل العليا منهم نخلق له حالة فراغ كبيرة تشجعهم على الانفلات ونتركهم عرضة للانحراف والوقوع كفريسة سهلة المنال في يد الجماعات المتطرفة أو الوقوع في إدمان المخدرات على سبيل المثال.
أنا مع أي فرصة تتاح للتعليم ومع إلغاء أي قيد على الالتحاق بأي برامج تعليمية هكذا بدأ حديثه د.رفعت الضبع رئيس قسم الإعلام التربوي بجامعة طنطا.. وأضاف:حتى أنني قد أوصيت في رسالتي للماجستير عام 78 بضرورة تأسيس برامج للتعليم المفتوح أو التعليم اللاجدراني أو جامعة الهواء للاستثمار الأمثل لمهارات أبناء الوطن وتنمية قدراتهم الإبداعية والابتكارية بعيدا عن الحفظ والتلقين..وفكرة التعليم المفتوح تتيح فرصا لطلاب كثيرين في تخصصات مختلفة ولكن مع مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص في حيز التنفيذ ووفقا للدستور والقانون ..!
ويؤكد د.الضبع انه ضد إن يمنح طالب حاصل على 50٪ أو60٪ فرصة متساوية مع طالب متفوق حاصل على أكثر من 90٪ مثلا..فكان لابد ان توضع معايير قبل اتخاذ قرار المجلس بإلغاء شرط السنوات الخمس في برامج التعليم المفتوح حتى تكون الفرص متاحة بين طالبي العلم ومتساوية..لابد ان تكون هناك ضوابط على سبيل المثال ان يوجد امتحان موحد على مستوى الجامعات للقبول في التخصص المتقدم اليه الطالب بالإضافة الى امتحان اللياقة البدنية والقدرات.
تعليم منخفض التكاليف
لم افهم ماذا يقصد وزير التعليم العالى د.هاني هلال في اجتماع لجنة التعليم بالشورى حين صرح بأن “إلغاء شرط الخمس سنوات للالتحاق بالتعليم المفتوح سيحقق فائدة كبيرة للطلاب خاصة الفقراء وأنه من حق الغلابة التمتع بالتعليم المفتوح..” هكذا بدأ كلامه د.شاهين رسلان دكتوراه الصحة النفسية جامعة القاهرة وقال:التعامل مع الطلاب والتعليم بمنطق الغلابة والأغنياء..منطق عجيب وغريب..فالتعليم حق للجميع وحسب المقدرة العقلية والثقافية لكل طالب وليس المقدرة المالية..وحسب منطق الوزير من يضمن أن الغلابة فقط هم من يلتحقون بالتعليم المفتوح هل سنطلب من المتقدمين شهادة فقر..أليس رخص هذا النوع من التعليم يغري الأغنياء أيضا للالتحاق به بدلا من الجامعات الخاصة باهظة الثمن خاصة انه برعاية الدولة..!
وأضاف رسلان: ثم إن هذا النوع الرخيص من التعليم يضر بمصالح التعليم الخاص الذي ارتضته الدولة وترعاه..ولم اسمع في أي دولة في العالم تحترم أبناءها فقراء وأغنياء تتبني هذا المنطق..كما أنه من المعروف أنه قبل إلغاء شرط الخمس سنوات كان يستفيد من هذا النوع من التعليم الغلابة أيضا..إذن شرط الخمس سنوات لم يضف جديدا سوى عدم تكافؤ الفرص.
ننفذ سياسات
بالنسبة لإبقاء شرط السنوات الخمس على الدبلومات الفنية للالتحاق ببرامج التعليم المفتوح لا أعلق عليه فأنا أنفذ سياسات هذه وظيفتي..ويسأل في ذلك صاحب القرار المجلس الأعلى للجامعات..هكذا قالت د.ليلي عبد المجيد عميد كلية إعلام القاهرة..وأضافت الدبلومات الفنية مسارها الطبيعي دخول الكليات التقنية أما مثلا دراستهم للأعلام تعني إهدار ما اكتسبوه من مهارات تقنية في سنوات الدراسة..!
وعن مساواة طلاب حاصلين على 60 ٪ يلتحقون بالتعليم المفتوح بطلاب تفوقوا وحصلوا على أكثر من 90٪ والتحقوا بكلية الإعلام قالت د.عبد المجيد: أولا برنامج التعليم المفتوح مختلف تماما عن كلية الإعلام والتخصصات مختلفة وحتى المسمى في البكالوريوس ثم إن الفيصل هنا مدى صلاحية الطالب للدراسة الإعلامية أم لا..وقد تم وضع اختبارات لقبول الطلاب لدراسة الإعلام ..والمدهش إن أجد طلابا حاصلين على 60٪ وتفوقوا في الاختبارات العملية للقبول على طلاب متفوقين ومجموعهم تعدي 90٪ ..فمثلا طالب حاصل على 60٪ يتفوق ويحصل على 113 من 130 في امتحان القبول..والطالب الذي تعدي التسعين يحصل على ما يقارب 98 فقط..وكلنا نعلم أن المجموع ليس المؤشر الوحيد على التفوق..فهناك ظروف تحول أحيانا دون الحصول على المجموع المطلوب وهناك موهبة لا تعترف بالمجموع.
التخلص من الانتساب
أما د.محمود علم الدين رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام فيقول :من خلال خبرتي بوزارة التعليم العالى ارى ان القرار مع توسيع رقعة الإتاحة وضخ روافد جديدة مستمرة للتعليم مثل إنشاء برامج خاصة بالجامعات وبالكليات وزيادة المعاهد الخاصة والجامعات الخاصة حتى يتاح التعليم للجميع بقدر المستطاع.. ويشير د.علم الدين إن إتاحة التعليم المفتوح والتوسع فيه يخلصنا من بدعة الانتساب الموجه فهي نوعية من التعليم نتفرد بها تقريبا..فما معني طالب مسجل بالكلية وغير ملتزم قانونا بالحضور والانصراف و التفاعل مع الحياة الجماعية بدعوي أنه منتسب..كما أنه يساهم في حل مشكلة الاغتراب وازدحام واكتظاظ المدن الجامعية وتخفيفا عن كاهل الأسر المصرية.