قصة مجنون اميرة | و انعطافة فاشلة في مسيرة الجريئة ايناس الدغيدي

الجريئة ايناس الدغيدي

الجريئة ايناس الدغيدي

مصريات

خيرية البشلاوي

لم أقرأ كل ما كتب عن الفيلم ولكني أختلف مع بعض ما قرأته بعد مشاهدته بخصوص الممثل مصطفى هريدي الذي يؤدي الدور الرئيسي في الفيلم لأول مرة في حياته الفنية القصيرة فهو يعتبر اختيارا مناسبا لمواصفات الشخصية التي يؤديها شخصية صعلوك بسيط. نحيف. محروم من أي وسامة. معدوم المكانة الاجتماعية. وبلا موهبة خاصة. لكنه مسكون بالخيال والمشاعر العاطفية الى درجة الشطط. قادر على الإسراف في التعبير عن هذا الشطط الى حدود التفريط في حياته نفسها. فهو في الميزان الأخير. إنسان مختل!!

في بداية الفيلم نراه يمتطي دراجة تتصدر واجهتها صورة الأميرة الانجليزية “ديانا” التي يهيم بها حبا. يجري في مرح. ثم يلقي بجسده فوق حشائش حديقة عامة وهاتك يا بوس في صورة الأميرة!! والبداية هكذا تستدعي التهليل: “العبيط أهو.. العبيط أهو” وما أعنيه أنها لا تجعل المتلقي يضحك وإنما تضعه في حالة بعيدة ربما عن الضحك ولا تمهد للمحتوى الجاد المقصود من وراء هذه القصة الخيالية لمجنون أميرة.

فمشكلة الممثل وبالذات الكوميدي. هو النص. والنص في “مجنون أميرة” خال من مقومات الضحك. مثقل بالحوارات السخيفة والمواقف الثقيلة التي يفترض أنها طريفة ومثيرة للضحك.

موقف البيض النئ المتكرر. وماء الطرشي الذي قدمه إبراهيم للحارس الإنجليزي بدلا من الويسكي وحوارات “أم إبراهيم” و”أم أحلام” و”أحلام خطيبة إبراهيم وبطة.. الخ”.

المفارقة لا تكفي
لا تكفي المفارقة الكبيرة بين دمامة المجنون العاشق وبين جمال الأميرة المعشوقة لتحقيق الاثارة الكوميدية وكذلك لا تكفي مظاهر التخلف الثقافي والفني والديني التي يمتليء بها الفيلم لإضفاء سمة الجدية والقيمة الفنية فالفيلم في رأيي الشخصي المتواضع فشل في اثارة الضحك من ناحية وفي اقناع المتفرجين أنه عمل جاد يتجاوز خفة الشكل الظاهري الى محتوى أكثر قيمة.

وهذا الممثل بمواصفاته وملامحه الخاصة أصبح في نظر صناع الشرائط السينمائية مجرد دمية تحركها خيوط طائشة بهدف اضحاك المتلقي. ولذا نجده هنا في هذا الفيلم ينتهز الفرصة ويجتهد بالفعل لاضفاء قيمة إنسانية على شخصية إبراهيم التي يلعبها شخصية المجنون الهائم ابن الحارة المصرية الشعبية الذي يحب الأميرة زوجة ولي عرش بريطانيا التي تسكن القصور وتتحرك في مواكب ملكية يحيط بها الحراس فهو شخصية تجعلك تتأسى لنهايتها أكثر من الضحك منها أو عليها وتتعجب من هذه العواصف العاطفية التي دفعته دفعا الى أن يلقى حتفه برصاصة غادرة من حارس الأميرة بعد أن افتداها وأنقذها من موت محقق. دبره هذا الحارس نفسه مع مندوب السفارة للخلاص منها بعد أن أبدت ميلها الى الإسلام وقابلت الشيخ العشراوي “بدلا من الشعراوي” وبعض علماء المسلمين.

الحكاية محض خيال ولكنها مستوحاة من قصة الأميرة ديانا التي لقت مصرعها هي وحبيبها دودي الشاب المسلم المصري وقد عالجها السيناريست مصطفى محرم. عن قصة للمؤلف أشرف شتيوي وجعل منها إطارا لطرح “قضايا” تتجاوز الحدوتة. لتقدم وجهة نظر في صدام الحضارات الذي يطول بالضرورة الصدام الديني والثقافي.
فالأميرة البريطانية لديها بدورها مشكلة تدفعها الى سلوك “مختل” في نظر القصر الملكي. والمسئولين الانجليز فهي تمتلك روحا جميلة منطلقة تعبد الحرية وتنبذ القيود والرسميات ولديها رصيد لا نهائي من المشاعر الإنسانية الطيبة جعلتها تتعاطف مع “إبراهيم” ومشاعره المتدفقة نحوها. كما أن لديها حب استطلاع جارفا لمعرفة المصريين والدين الإسلامي. الشيء الذي جعلها في بداية زيارتها لمصر تتخفى وراء اسم “كريستين” وشخصية سائحة إنجليزية. وحين تلتقي بإبراهيم الذي يلاحقها بسبب التشابه الكبير بينها وبين ديانا. تنطلق معه لكي ترضي رغبتها في المعرفة فتزور بيته وأمه وتتعرف على جيرانه. وتركب العجلة وراءه وتحضر فرح ابن جارتهم “عديلة” وتصعد معه الميكروباص وتحضر الدرس الديني مع أمه وتدخل مطعم “الوحش” وتأكل الفول والطعمية بعد أن ذاقت طعم الكشري عند أمه “هياتم”. وتفعل ما تفعله رغم اعتراض حارسها الخاص ويليام ووصيفتها اميلي.

والأميرة برغم عنادها لا تشعر بالطمأنينة الداخلية وتحتاج الى الأمان. فهي ضعيفة ومستغلة. وعلى علاقة جنسية مع حارسها الخاص. الذي يحميها من “الآخر” ولا يتردد في النهاية عن زرع “لغم” بهدف القضاء عليها أثناء زيارتها لمنطقة العلمين. ولولا العاشق المجنون إبراهيم الذي تفانى في انقاذها لذهبت ضحية وماتت وسط رمال الصحراء.

نورا رحال بطلة فيلم مجنون اميرة

نورا رحال بطلة فيلم مجنون اميرة

الزيارة الرسمية
في هذه الجولة السياحية مع “إبراهيم” في الحارة المصرية والجوامع الأثرية. ومع الراقصات والمطربات من المرتبة العاشرة فنيا. تتعرف الأميرة على أكثر المظاهر الثقافية الفنية تدنيا وتخلفا.

فالاختيارات التي رصدتها المخرجة لا ينقصها التوفيق من حيث الدلالة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فالمطربة الهابطة التي تشدد “اوعى تقوليله لأ” في نصيحة نصوح للمرأة في علاقتها بالرجل. والمرأة الواعظة داخل الجامع “انعام الجريتلي” وما تلقيه من دروس عن صورة المرأة العنيفة الطاهرة” ثم صورة الفتاة “بطة” العنيفة في مطعم “الوحش” التي تتفاهم متسلحة “بقرن الغزال ثم الشاب الذي يتحرش جنسيا بالأميرة داخل الميكروباص. واللص الذي يقتحم أحد المنازل من الحارة التي يسكنها “إبراهيم” مع أن المنزل المقتحم مكتوب على واجهته اسم الجلالة. بالاضافة الى “حج مبرور”.. وشخصية “المجذوب” في منزل إبراهيم الخ الخ.

فالمخرجة هنا تكشف عن عمل وبوعي عن حالة المجتمع المصري الآني من وجهة نظرها. وهي ليست بعيدة عن واقع الحال وتقوم بتكثيفها على النحو الذي رأيناه في صورة طالبات المدارس الصغار المحجبات. نفس الصورة التي دفعت الأميرة أثناء زيارتها الرسمية الى طرح السؤال: “هم بيعملوا كده ليه في الأطفال؟؟ في كل لقطة تقريبا ادانة أو رصد أو تعريض للمظاهر التي تكشف عن مجتمع متزمت لا توجد صورة ولا لقطة ولا مشهد خالي من الدلالة والايحاء. وهذا طبيعي لمخرجة لها عين راصدة. وملحوظات ثاقبة تخدم زاوية نظرها التي تريد أن تضع تحتها أكثر من خط ثقيل حتى لا تخطئه العين وهو في نفس الوقت لم تتردد هنا في هذا الفيلم عن تقديم وجهة نظر علماء الدين المستنيرين الذين قاموا بتوضيح موقف الاسلام من “الآخر” المختلف في الدين واللون والجنس وقد قدموا للأميرة الباحثة عن الأمان النفسي وعن التوبة ولديها ميل الى معرفة الدين الاسلامي المعرفة الصحيحة قدموا لها الرأي الصحيح السديد.

الآخر المتعصب
ولكن الصدام والتعصب والرفض القاطع جاء في الفيلم من الجانب الغربي المتمثل في حارس الأميرة ويليام ومندوب السفارة الذي يمثل موقف بلاده الرسمي الذي كاد ان يؤدي في النهاية الى مصرع الأميرة والفيلم ينتهي بمشهد تسجيلي من جنازة الأميرة ديانا التي لقت حتفها فعلا في حادث مدبر حسب الاعتقاد الشائع مصحوبا بصوت المغني الانجليزي الشهير التون جون الذي غني لها أغنيته الرائعة “شمعة في مهب الريح”.

اعتمد الفيلم على هذا المعني “شمعة في مهب الريح” وهو يصوغ الحكاية الخيالية عن مجنون أميرة وفي تصويره لشخصيتها وكان من الممكن أن يكون الفيلم أفضل فنيا وموضوعيا بكثير لولا انه يريد ان يقول كل شيء ومن خلال رحلة ليست محكمة حتى على مستوى الفانتازيا وأقصد رحلة الأميرة مع إبراهيم ثم رحلتها الرسمية التي خطط لها وأشرف عليها أمن الدولة المصري “هشام عبدالله” فأضاف الى برنامج الزيارة زيارتها الى مستشفى السرطان والى المدرسة واللقاء مع المشايخ ورحلتها الى منطقة العلمين حيث شهداء الحرب العالمية الثانية والألغام التي تسببت في موت العشرت..إلخ..إلخ.

الفيلم يعاني من الترهل في بنيته الفنية بسبب ازدحامه غير المبرر بالتفاصيل الكثيرة جدا وبسبب الرغبة في استعراض كل العاهات الاجتماعية باصطناع مواقف لا لزوم لها كذلك يعاني موضوعيا من الانحياز الواعي للأميرة المظلومة الهشة التي يشتهيها حارسها ويمارس معها الحب وهي تستجيب وبعد ذلك تراها تسعي للتوبة وتفتح المجال لكلام مطول للشيخ “العشراوي” يرضي العامة فالمفارقة أيضا كبيرة جدا بين سماحة الدين وخشونة وفجاجة وانحراف المسلمين.
وفي استعراضها للعاهات الفنية حاولت المخرجة ان تضرب عصفورين بحجر ان ترضي الذوق الشعبي فتترك للأغنية المدانة مجالاً واسعا وللمطربة فرصة للاستعراض بصوتها القوي جدا وللحادث الارهابي الذي دبره مندوب السفارة دلالة غريبة في الفيلم مؤداها ان الارهاب يمكن ان يكون بتشجيع من الآخر الأجنبي وان المؤامرة ضد الأميرة في الفيلم لم تكن سوى ارهاب من جانبهم والمصريون مجرد أداة وهو معني يمكن قبوله ولكن السياق المضطرب عموما لم يجعل كل المعاني المعقولة في الفيلم تصل الى الجمهور المتلقي ولم تجعل للفيلم تأثيره المطلوب.
إيجابيات أكيدة
من اللافت قدرة المخرجة ايناس الدغيدي على اختيار طاقم الممثلين المناسب جدا شكلا وموضوعا لتجسيد الشخصيات وبالذات شخصية الأميرة التي لعبتها نورا رحال فقد كان من المهم ان يؤدي الدور ممثلة ليست معروفة وقريبة الشبه من ديانا وفي هذا المجال يمكن ان نشير أيضا الى الماكياج وعنصر الملابس. أيضا شخصية ويليام التي لعبها حازم البنا وشخصية اميلي التي أدتها “راندا” فهذه كلها شخصيات مقبولة ويمكن الاقتناع بها ولكن على الجانب الآخر اختارت المخرجة في تصويرها للشخصيات المصرية “الأنماط” المحفوظة للمرأة الشعبية التي صورتها هياتم والممثلة التي لعبت دورأم أحلام. وأحلام التي لعبتها شمس وأفلت من التنميط شخصية ضابط أمن الدولة “هشام عبدالله”.

والمفارقة ان هذا الفيلم المضطرب من حيث الإحكام والاتساق والتكامل الفني توفرت له عناصر فنية جيدة في مجال الموسيقي “راجح داوود” وفي مجال التصوير وبالذات المجاميع والمناظر الخارجية ولكن الديكور الخاص بشقة إبراهيم بدا بعيدا عن مستوى وذوق وقدرة هذه الأسرة فالأثاث “أرابيسك” يكشف عن صنعة ومستوى ورحابة لا تتحقق لأمثال إبراهيم وأنه وخطيبته التي استبدل اسمها “أحلام” بكوابيس من باب الاستظراف والنكتة.

بعيداً عن سكة إيناس الدغيدي
ومثلما يمثل الفيلم انعطافة أوطريق جانبي في سكة المخرجة ايناس الدغيدي المسكونة بلغم الاختلاف عن السائد من الأفكار والعادات والتقاليد التي تراها من وجهة نظرها رجعية ومتخلفة ويصل اختلافها الى حدود الرغبة المتعمدة في تدمير التابوهات وتجاوز الخطوط الحمراء المفترضة في علاقة الرجل والمرأة على الشاشة وقد اعتادت ان تفعل ذلك بوعي ومع سبق الاصرار والترصد لكل ما هو أصيل ومنجذب ومقدس في حياة المصريين فان ايناس الدغيدي مخرجة تعتبر الوجه الآخر النقيض للتيار المحافظ الحريص على الصورة يلتقيان في اختزال قيمة المرأة في جسدها كل من وجهة نظره وفي اعتبار ان حريتها مرهونة بعلاقتها مع الرجل رغم الاختلاف الواسع بين نوع العلاقة وجوهرها.

اخبار ومواضيع ذات صلة:

2 comments
  1. غربي فاطمة الزهراء 31/10/2012 11:45 -

    مرحبا أنا فاطمة هذه القصة أعجبتني ولكنها غريبة جدا .

    هذا هو تعليقي وشكرا.

  2. eiddahab 08/10/2010 00:53 -

    فليم من اجمل افلام ايناس الدغيدي

أضف تعليقاً