لماذا الحديث الآن عن تغيير أسماء القرى المسيحية

قرية مصرية

قرية مصرية

ماجد عطية

في ظل المد الوطني وتكاتف كل القوى السياسية الوطنية  الرافضة للمشروعات الاستعمارية ضد الوطن و على  رأسها مشروع “صدقي -بيفن” الذي حاول رئيس  الوزراء اسماعيل صدقي أن يوقعه مع المستعمر البريطاني  …كان اسماعيل صدقي مدعوما من السراي والقوى  الدينية المتحالفة مع السراي كجماعة الإخوان وجماعة  “شباب محمد” التي كانت تعتنق “الفكر الوهابي”  ويقودها لواء شرطة سابق وأيضاً جماعة الشبان  المسلمين.
لكن عند تمرير هذا المشروع حدث شئ لم يتوقعه أحد  ..حدث حريق كنيسة الزقازيق وتلهت الأمة الآن بين  من يتحدث عن “الكفرة” وبين من يتحدث عن “الوحدة  الوطنية” وفي خضم هذه الأحداث قامت السراي بتغيير  اسم “مركز” من مراكز الساحل الشمالي كان اسمه  “رأس الكنائس” إلى مسمى آخر لايزال قائماً باسم ” رأس الحكمة”…ولم تلتفت للأمر القوى الوطنية  المشغول بالهم الوطني ومكافحة المشروعات الاستعمارية  المضادة لحرية و استقلال الوطن..ومر الأمر كما أرادت  السراي التي تحالفت مع كل القوى السياسية والدينية ضد  حزب الوفد، كانت شعارات هذه القوى المعارضة للوفد  بأنه “حزب الأقباط” منذ قيامه في ثورة 1919 .

لماذا أذكر بهذا..؟
“تتدحرج” آراء على الساحة، لكم بين سطور كتابات  ملتوية وإن كان البعض قد خرج إلى العلن مطالباً بتغيير  الأسماء المسيحية لبعض القرى..كان الداعية الأكبر لهذا  ضابط الشرطة السابق محافظ المنيا بالنسبة لقرية “دير  أبو حنس” إلى مسمى “وادي النعناع” ولم يكن أمام  ابناء القرية سوى الرفض المصحوب بكل وسائل  الاحتجاجات السلمية حتى توقف المشروع المريب الذي  ليس له أي داع ولم يكن مطروحاً ، لكن المحافظ تربية  “أجهزة الامن” بكل ما في هذه التربية من “نظرة  ريبة” للآخر الديني.
وللحقيقة وجد المحافظ من يناصره من “نصارى الأمن”  الذي كتب في صحيفة قومية يعيب  على سكان قرية  “دير أبوحنس” إلى مسمى “وادي النعناع” أنهم لجأوا  للتظاهر والاحتجاج وكان عليهم -كما يقول الكاتب- أن  يلجأوا للاجراءات القانونية كاللجوء للقضاء مثلا..أي يكون  كل شئ قد تم تغييره لحين أن يحكم القضاء “إن جاء  الحكم لصالح السكان”.. وحتى لو جاء الحكم لصالح  السكان يمكن للجهة الإدارية الطعن ويموت كل شئ بعد  ذلك ..(ألم أقل لك من قبل عن “ميوعة ما  يكتبون” هؤلاء “نصارى الأمن” )!

سياسة تغيير مسمى القرى
مرة اخرى تطل حكاية أسماء القرى المسيحية تحت ” مظلة” الإدارة المحلية تغذيها دوائر التعصب الضاربة  جذورها في الريف تحت هدف سياسي هو إحراج الحكم  والنظام وهدف آخر ،هو إبات وجودها في الشارع  المصري ..ومادام “التعصب” “يعشش” في تلافيف  بعض العقول المسئولة عن الإدارة ومادام الحكم وأجهزته  مشغول بأمور أخرى أكثر أهمية -بالنسبة للنظام-  كإرضاء النساء مثلا أو “الوجود الخارجي” ..ولا  يلتفت الحكم إلى التعبئة و “الشحن” الطائفي المصاحب  لاغتيال المصرية “مروة” ، الأمر الذي يحزننا بالطبع  ونستنكره،  بكل شدة .. لكن الشحن الديني المصاحب  للحدث أمر مثير للغاية وغير مبرر ولا تلقي مسئولية  ذلك على فئة فئة معينة لأن أجهزة الدولة الاعلامية من  إذاعة وتليفزيون تتولى الامر، يصاحب ذلك تعليقات ساخنة  ومريبة من بعض أقلام الصحف القومية،
دعوني أقول: أنه من الغباء السياسي أن نشحن الوطن  بكل هذا التعصب دون أن ندرك المردود على الداخل في   ظل احتقان مخيم على سماء الوطن وأرضه ..وأسأل  لمصلحة من هذا كله..؟!
لكي نتمعن قليلا مردود هذا الشحن الذي أكاد أشك أنه  مخطط أجهزة تحاول أن تغطي على شئ ما ..إذ ليس  معقولا أن تعلن بؤر “الفتنة” عن نفسها في طول البلاد  وعرضها في ظل حكم إقليمي وأجهزة متغلغلة وحكومة  مركزية تنتقل كما ينتقل البائع السريح..بالفعل ليس معقولا  أن يحدث هذا دون رعاية وبغير مخطط ليس بالضرورة  خارج الإرادة أقصد “الإدارة”..هذه الإدارة التي تتطرح  بغير استحياء تغيير أسماء القرى المسيحية إلى أسماء ” هلامية” كما “رأس الكنائس” إلى “رأس الحكمة”  ..وقرية “أبوحنس” إلى “وادي النعناع” ..ولم  تظهر بعد الاسماء التي يمكن أن تطرح بشأن قرية ” بشرى” نسبة إلى بشرى باشا حنا ..وقرية “جرجس  بيه”.. لنتصور !؟
قرية “بشرى” على اسم المالك قطب ثورة 1919  “بشرى باشا حنا” أحد أبناء اسويوط ويذكر “جدود”  هذا الجيل الساكن في القرية أن الرجل كان “مالكاً  للزمام” وكان راعياً لكل أبناء هذه القرية المسلمون فيها  كما الاقباط..بل يذكر الجيل القديم أن “بشرى باشا”  بنى مسجد قبل أن يبني كنيسة ورحل إلى رحاب ربه  قبل أن يبني للمسيحيين في القرية كنيسة تجمعهم.

قرية “جرجس بك” أو كما يقولها العوام “جرجس  بيه” وكان جرجس بك مالكاً للزمام وكان راعياً لكل  أبناء القرية و هو الذي بنى للسكان مسجدهم قبل أن  يجدده أبناء قرية “جرجس بيه” يرفضون أن يصلي  المسيحيون في قرية “جرجس بيه” ولو في بيت ” الكاهن” الذي هو من أبناء القرية.

زميل صحفي كتب عقب عودته من قرية “جرجس بيه”  أن “زعيم” الاعتداء على أقباط القرية “مسجل خطر”  ومتهم بتجارة الممنوعات ..لكن الأمن لا يقترب منه..  وعندما تم القبض على عدد من أبناء القرية اعتقل عدد  من أقباط القريتين لأنهم كانوا في موقف الدفاع عن ” حقهم في الصلاة لله” ولم يقم أحد منهم بالاعتداء على  احد ..لكن الامن اعتقلهم كما اعتقل الاخرون “المعتدين  كما المعتدى عليهم” ..من يتصور أن المسيحيين في  قرية “جرجس بيه” محظور عليهم الصلاة ولو في  بيوتهم ..؟!

والاحداث المؤلمة مستمرة
ازداد قناعة مخطط يستهدف الوطن تحت مظلة التطرف  الديني .. فلم أكد انتهي من هذا التقرير حتى تتالت  الاحداث ذاتها تعلن الهدف والمستهدف.

في قرية “قليني” نسبة الى المؤسس ” قليني باشا  فهمي” واحد من ثوار ثورة 1919 والذي أثر اعتزال  السياسة وتفرغ لشئونه الخاصة مقيماً بقريته..وربما لا  يعرف هذه الجيل ان قليني باشا بنى اول نموذج للوحدة  الوطنية فبنى مسجداً وكنيسة يفصل بينهما سور واحد  وعاش أبناء القرية في رعاية الرجل أقباطاً ومسلمين حتى  غادر الدنيا ..وحين بنى قليني باشا المسجد والكنيسة لم  يكن يتصور أبداً أن يأتي اليوم الذي يرفض فيه  المسلمون أن يصلي الاقباط في كنيستهم المرخصة ويتزعم  المعترضين شيخ الجامع الذي بناه قليني باشا القبطي وتم  تجديده بعد ذلك أفلا يخجلون..!

السيناريو نفسه يتكرر في قرية “باسيليوس” مركز بني  مزار وباسيليوس هذا إن لم يكن يعلم أحد هو مالك  الزمام الذي يضم المسلمين والاقباط ، وكان مضرب  الامثال في البر وعمل الخير لكل أبناء المنطقة مسلمين  وأقباطا وهو القبطي الذي نجح في الانتخابات لعضوية  المجلس التشريعي ،وهو الذي بنى مسجدا للمسلمين وكنيسة  للاقباط وتجدد المسجد وترخصت الكنيسة بعد إعادة البناء  منذ 40 عاما..والسؤال المحير؟لماذا يعترض المسلمون  أن يصلي الأقباط في كنيسة الاقباط الذين يتعايشون معهم  في القرية ..في السكن..وربما شراكة في الزراعة  والتجارة..ما الذي حدث ..ما الذي حرك “بؤر الحقد  في النفوس حتى نسى الناس حق الجار وثمن العيش  المشترك.

مصريات

اخبار ومواضيع ذات صلة:

أضف تعليقاً