أمرك يا سيادة النائب

الفنانة اسعاد يونس

الفنانة اسعاد يونس

بقلم : إسعاد يونس

 شاهدت جدلا تليفزيونيا بين عضو موقر من أعضاء مجلس الشعب وبين ناقد سينمائى كبير.. ولم أفهم ما هو المراد من هذا الجدل.. وأعتقد أن الناقد الكبير لم يتمتع بذكاء يفوق ذكائى.. ففى غالب الأمر.. لم يفهم هو الآخر.. وإن كانت ملامح الألمعية قد كست وجهه، بينما ارتسم الغباء على وجهى، مما جعله يتهدل أكتر ما هو متنيل متهدل

النائب يشكو من سواد الأفلام السينمائية.. وأنها كلها دم وقتل وعنف وقلة أدب.. ويتساءل: هل مجتمعنا يحتوى على كل هذا السواد وقلة الأدب؟ هو ما فيش عندنا غير عشوائيات؟.. طب يا أخى عايز تثير مشكلة.. قدم الحل.. إنه يعتب بشدة على صناع السينما أنهم لا يقدمون الحل!.. ويشكو من أن الأفلام تسىء إلى العائلات وتخدش حياء البنات.. ومخرجو هذه الأفلام لا يتمتعون بأى مصداقية.. ده حتى واحد فيهم نازل فينا وعظ وتلاقى الجرايد من كام يوم بتنشر عنه فضيحة أخلاقية.. للحق قاطعه هنا مقدم البرنامج معترضا على تناول سيرة الناس الشخصية.. وإحنا جايين نتكلم فى السيما واللا نجيب سيرة الناس ونغتابهم؟.. كل ذلك والناقد الكبير جالس ينظر إليه فى دعة وهدوء.. خيل إلى أنه يتساءل فيما بينه وبين نفسه: «أنا جاى أعمل إيه هنا؟ هما الجماعة دول عايزين منى إيه بالظبط؟».. فالأسئلة التى طرحها النائب عجيبة.. ولا أدرى هل طرحها بصفته نائبا فى مجلس الشعب؟.. هل قدم بها استجوابا للجنة الثقافة؟.. هل كانت ضمن البرنامج الدورى لجرجرة رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية لسؤاله امام اللجنة الأسئلة إياها من عينة: «إيه الأفلام اللى بتصرح بيها دى يارقيب؟.. إزاى تسمح للناس يوروا فقر فى الأفلام أو يجيبوا سيرة السادة المسئولين أمثالنا.. وإيه المسخرة اللى بتطلع فى السيما دى.. بوس وأحضان وقلة أدب.. مش شايفنا قدامك ؟.. ناس كمل وما تعيبناش العيبة؟.. اقتدى بينا يا أخى.. ده حتى عيب.. لا لا لا يا رقيب.. أوقف الأفلام دى واللا شوفلك حل فيها.. بلا إبداع بلا نيلة.. أمال إحنا صارفينلك مقص ليه؟.. وأول ما تتزنق.. اخلع على جهات أخرى م اللى ماحدش يقدر ينطق معاها

أم تراه كان يتساءل بصفته مواطنا عاديا قاعد ع القهوة.. أو فى ثرثرة جانبية مع زميله أثناء حصة قزقزة لب، بينما عضو آخر يقوم برزع خطبة عصماء من بتوع المجلس.. أو برزع واحد زميله بالحذاء على نافوخه.. أو يتبادل فاصل من الردح المتنقى من أبو عاهرة وقبيحة وفتاة ليل

قد تكون اسئلتى فى غير محلها لأنى دخلت على البرنامج متأخرة ولم أحضر مقدمة الفقرة.. ولم اسأل أحدا عن البداية.. فأيا كانت البداية.. يظل وقع الأسئلة غريبا.. نفس الغرابة التى كانت على وجه الناقد الكبير.. خصوصا الطلب الذى أنهى به النائب شكواه.. وما معناه.. «ياريت يعنى يبقى فيه أفلام من كل النوعيات.. مش كلها غم كده.. يعنى شوية غم وشوية كوميدى وحبة أفلام قدوة حسنة وكده يعنى.. عايزين أفلام من اللى أقدر آخد المدام والبنات معايا فيها.. أنا باخرج بيهم «حياءهم» سليم.. ما احبش ارجع بيهم «حياءهم» متعور واللا متعاص قلة أدب

حاضر يا سيادة النائب.. إنت تؤمر.. يا خراشى.. جيت فى جمل يعنى؟.. نعملك كوكتيل ولا كوكتيل فخفخينا.. شوية كوميدى على شوية هلس على حبة ميلودراما من العيار الهندى التقيل.. ومايضرش شوية آكشن من بتوع الكاو بوى الأمريكانى.. بس إحنا الكاو بوى بتاعنا ما بيركبش احصنة.. ما يجراش.. نركبه توك توك.. وأهه يطرقع بالفرقلة.. إعزنها اللاسو بتاع الكاو بوى اللى هناك

ولكن عندى أنا الأخرى بضعة أسئلة مثل أسئلتك.. إذا عرفت تجاوب عليها اتصل بزيرو تسعمية وحاتوصلك الهدية
ما سألتش نفسك فى سويسرا ما بينتجوش أفلام ليه؟.. أقصد ليست لديهم صناعة سينما نشيطة مثل الدول الأخرى؟.. ده باين ما عندهمش خالص.. ماهم حايجيبوا منين مواضيع ؟.. يجرؤ صانع افلام سويسرى على تقديم فيلم من عينة حين ميسرة واللا الفرح؟.. منين إن شاء الله؟..

ألا تعلم أن صناع السينما يستقون موضوعات أفلامهم من الواقع ؟.. وأن السينما ماهى إلا انعكاس للمجتمع الذى تقدم فيه

ألا ترى أن مجتمعنا به مادة خصبة للأفلام التى لا تعجب سيادتك ؟.. دعنى أقول لك إن صانعى الأفلام لدينا عندهم تخلف شديد.. هم مازالوا يقدمون القصص القديمة.. والتطور فى تناول الموضوعات يسير بسرعة السلحفاة.. فأين أفلامنا من الواقع الحالى؟.. وأستعير رد الناقد الكبير عليك.. هل رأيت فى السينما المصرية حادثا مثل حادث الأستاذ الذى مارس الجنس مع ثمانى عشرة طالبة إعدادى؟.. وفى بيوتهم؟.. وبرضاهم؟.. وفى حضور ماما وبابا قاعدين بره فى الصالة لابسين حلل على نافوخهم؟.. أين أفلامنا من قضية تبادل الزوجات وفساد القمح وسوزان تميم ومسلسل خطف الأطفال والنساء لسرقة أعضائهم.. أين السينما المصرية من كشف الفساد الحقيقى بحجمه الطبيعى وأسمائه اللامعة ومناصبه الحصينة؟

إن طلبك الملح فى أن يجد صانعو الأفلام حلا للمشاكل التى يطرحونها لهو أكبر دليل على أن سيادتك تتحدث فى أمر بعيد عن تخصصك.. تتحدث فيه بصفتك متفرجا عاديا جدا لا يعلم شيئا عن هذه الصناعة.. وبالتالى يجب ان يكون حديثك فى إطار واحد بيرغى فى موضوع مع واحد صاحبه.. وليس بصفتك نائبا فى مجلس الشعب.. لأن هذه الصفة لم تضف عليك علما يزيد عما لديك من علم متفرج عادى جدا.. وبالتالى لا يصبح من اللائق أن تظهر فى برنامج تليفزيونى بصفتك الشعبية او بصفتك الحزبية لتردد كلاما مكانه صالون أو قهوة.. وأرجو أن يكون رد الناقد الكبير عليك وافيا حين قال لك إن إيجاد الحلول من صميم عمل الباحثين الاجتماعيين.. أما نحن فما علينا إلا أن ننفعل بما يجرى فى بلادنا.. ومن حقنا ان نصرخ ونقول «جاى».. بكل الطرق التى نراها.. سواء بشرنا أو نفرنا.. فى النهاية نحن ننطق ونقول ونحذر

مين بقى اللى عليه الشغل؟.. حضراتكوا

قدموا لنا مجتمعا يعجزنا عن تقديم هذه الأفلام.. قوموا بانتشال أدواتنا ونزع أسلحتنا وتطريم أنيابنا وخرس ألسنتنا.. أصيبونا بالشلل والعجز الفنى الذى يعانى منه السويسريون.. إحنا راضيين يا سيدى.. أما إذا كنت لا تدرى كيف.. أنا أقولك.. مش طالبين منكم إصلاح الكون

أصلحوا أنفسكم فى هذا المجلس العبقرى المتفرد اللى مالوش مثيل.. اشغلوا أنفسكم بما فيه صالح هذا الشعب.. ارحمونا من مهرجان الأكروبات وباللو الاتهامات الجزافية ومولد فواصل الردح.. اخلعوا الأحذية قبل دخول الجلسات.. وفروا قليلا فى طلبات الإحاطة التى تصدرونها «عمال على بطال» فيما تفهمون فيه وفيما لا تفقهون شيئا فيه.. قاوموا الفساد بجد.. لا تساهموا فى إشعال جذوته.. ناقشوا القوانين أسرع شوية.. سيطروا قليلا على أعضاء المجلس الموقر من هواة الظهور فى البرامج التليفزيونية اليومية لعمل بليكة تنتهى عادة إلى لا شىء.. حانلاقيها منكم واللا من الدعاة اللى بيتكاثروا بغزارة الأرانب.. احترموا قدرات البشر وعقلهم ومهاراتهم.. بدون كوتة ولا دياولو.. احرصوا على ضم الكفاءات إلى المجلس وليكن هذا هو الفيصل الأول والأخير حتى لو طلع كله ستات.. إن الغوغائية التى يعانى منها المجلس الموقر تطغى على النماذج المحترمة فيه والتى يجب أن يتمتع بها الجميع، الشعب والحكومة

اصنعوا مجتمعا صغيرا مثاليا يقتدى به المجتمع الأكبر.. وعليا النعمة ساعتها لا نبطل سيما الغم.. ساعتها فقط سنقدم لكم ما تشتهونه من أفلام سعيدة ونغنى كلنا بمبى بمبى

سؤال أخير: ما هو التعريف الحالى لحياء الأسرة بالظبط؟.. هذا الحياء الذى نظل نتهم بأننا نخدشه.. وكأننا ماشيين طول النهار ماسكين مسامير وأمواس ومالناش شغلانة غير خدش الحياء الخاص بالأسرة.. ولماذا يقتصر الحياء على الأسرة ؟.. هما الرجالة والصبيان لوحدهم مالهمش حياء؟.. أم أن الحياء شىء ممكن تركه فى البيت عندما يخرجون وحدهم

يعنى عندما ينوى الأب الخروج مع الأسرة يتوقف لدى الباب ويصرخ «هاتى يا سوسن الحياء من النملية عشان خارجين».. ثم لماذا يصر الحياء على أن يخدش من أفلام السينما عندما تناقش الواقع الذى حولنا.. عندما تقول للغولة عينك حمرا يا غولة.. لعن الله هذا الحياء الذى يظهر فقط على باب السيما.. ويتوارى أمام كل المظاهر السلبية الكذابة المخزية الفاضحة اللعينة الفاجرة التى تملأ شوارعنا وبيوتنا ومجالسنا ومكاتبنا ومواصلاتنا وردهات مصالحنا الحكومية

أرجو ألا أكون قد خدشت حياء حد بهذا الكلام.. كل واحد ياخد باله من حياؤه

اخبار ومواضيع ذات صلة:

أضف تعليقاً