الآخر وجلد الذات
مصريات
د.عزة أحمد هيكل
أكثر من كاتب وسياسي ومبدع تعرضوا لقضية اختلاف الحضارات والتنوع الثقافي وفي كل أطروحة فكرية نقف أمام عائق فكري يحول دون تقبلنا لما هو مختلف ومغاير ونحدد القضايا من منظور ثقافي وذاتي وان كان هذا الآخر أكثر تقدما أو أكثر حضارة وقوة وتأثيرا على المجتمع الدولي إلا ان العيب فينا لأننا نتقمص دور الضحية ونلعب على تيمة المؤامرة ونتكلم ونهدد ونتوعد أكثر مما نفعل أو ننجز وآخر الصور القبيحة التي تؤكد على عنصرية الغرب وتدخل اللوبي الصهيوني في الفن والإعلام هو ذلك الفيلم الأمريكي “أحب ذلك الرجل” للمخرج اليهودي الصهيوني “جون هامبورج” والذي سمحت الرقابة بعرضه في مصر هذا الموسم بعد ان حذفت منه حوارا مسيئا وبذيئا عن الرئيس الراحل محمد أنور السادات حين اطلق البطل اسم الرئيس على كلبه وقال ان بينهما شبها كبيرا ثم اعقبه مشهد الكلب وهو يقضي حاجته في صورة فنية رديئة ومثيرة للاشمئزاز وليس لها أية علاقة بالفن أو الدراما أو السينما والفيلم في مجمله دعوة غير أخلاقية لأنه يدعو الى نوع من العلاقات المشبوهة بين البطل وصديقه والتي أضرت بعلاقة ذلك الصديق بخطيبته التي ظنت ان خطيبها رجل شاذ وهو ما لم يوضحه الفيلم سلبا أم ايجابيا.
هذا على المستوى الفني للمضمون أما تقنية الفيلم فهي ساذجة وضعيفة ولا تندرج تحت مسمي الكوميدي أو الإنساني وإنما هو نوع من أفلام ملء الفراغات الاقتصادية وجذب الأموال لجمهور العالم الثالث المبهور بالسينما الأمريكية وكل ما يفرزه عملاق صناعة السينما العالمية لكن المشكلة الرئيسية هي لماذا اجازت الرقابة عرض العمل الفني على الرغم من كثرة الشوائب والملاحظات الخاصة بالسياسة والبعد الأخلاقي والقيمي وكذلك المستوي الفني وهو العمل الذي لم يحظ في بلاده بالتقدير الجماهيري أو الاحتفاء النقدي ومن ثم فإن الرقابة على المصنفات الفنية كان من المكن ان ترفض عرضه للأسباب السالف ذكرها والأكثر من هذا هو ان الحوار المسيء الى أحد رموز السياسة في مصر والوطن العربي والعالم يسيء الى المجتمع المصري وان كانت حجج القائمين على انتاجه تدعي الحرية الفكرية والابداعية وان هذا مجرد حوار على لسان أحد الشخصيات الخيالية في عمل سينمائي فني وليست مقولة على لسان أحد الساسة الأجانب أم المسئولين وايضا هي مجرد سخرية واضحوكة داخل العمل وسياقه الدرامي.
ولأن الفيلم احقر من ان يتناوله النقد الفني المتميز فإنه مر مرور اللئام ولم يلتفت إليه أحد حتى ظهر على شاشات الانترنت دون حذف جملة الحوار فانتبهت ابنة الرئيس الراحل أنور السادات وقررت مقاضات عدة جهات منها الشركة المنتجة للفيلم وهي تدافع عن اسم وتاريخ والدها الراحل ولكن ما أهمية القضية إلا انها تزيد الدعاية والالتفات لهذا العمل الفني أكثر مما تعيد الحق لأصحابه هذا من جهة ومن جهة أخري ماذا فعلت الرقابة وما هو دور الجمعيات الثقافية والأهلية في التصدي لهذا التعدي وتلك الاهانات عن طريق محاربة الفكر بالفكر والفن بالفن والثقافة بالثقافة والاقتصاد بالاقتصاد.
فهل يصدر وزير الثقافة فاروق حسني الطواق الى اليونسكو بيانا ثقافيا يستنكر فيه تلك الاساءة الفنية لذكري زعيم مصري راحل؟ وهل تتم مساءلة من اجازوا هذا العمل رقابيا؟ وهل يتدخل المثقفون لمقاطعة هذا الفيلم وصناعوه حتى يتم التراجع أو الاعتذار؟ وهل نحن قدمنا لهذا الغرب صورة ايجابية عن الفن المصري والثقافة المصرية في السنوات الأخيرة. أم أننا تمادينا في جلد الذات وتشويه الصورة اعلاميا وثقافيا وفنيا حتى هنا على انفسنا وعلى الآخرين؟!
ان ما قدمته الفضائيات والإعلام الخاص والرسمي في مجمله يبرز دوما سلبيات المجتمع ويصوره بصورة الفاسد المرتشي اللاأخلاقي وتطور الأمر لأن أصبح الفن بدوره يقدم أعمالا سينمائية ودرامية مغرقة في السواد ولكأنها صحف المعارضة قد تحولت الى دراما وسينما عن الإرهاب الداخلي والعنف المجتمعي والتردي الأخلاقي وذلك عن المجرمين والخارجين على القانون والاخوة الأعداء والفوضى في مجالات الأمن وحتى القضاء والتعليم والصحة والغذاء كلها قد تم تقديمها في أقبح صورة. ناهيك عن الخلافات السياسية والعرقية والدينية الاقليمية والتي قتلت نقاشا وصراخا على أعمدة الصحف وشاشات الفضائيات.
ان تلك هي الصورة التي قدمناها عن انفسنا لذلك الآخر الذي لا يهمه البحث عن الحقيقة أو الواقع الصادق أو الصور الايجابية المضيئة بالاضافة لتمكن اللوبي الصهيوني من وسائل الإعلام والفن العالميةو لقدرته على الاتحاد ضد ذلك العربي المصري سواء كان زعيما سياسيا فذا أو ارهابيا مطلوبا للمثول أمام أمام محكمة العدل الدولية.. المهم أننا جلدنا أنفسنا وادميناها فاستباح الآخر دماءنا ولن يدفع لنا دية.. الفن يواجه بالفن والفكر يحارب الفكر والثقافة هي سلاحنا القادم سواء وصلنا اليونسكو أم بقينا مكرمين في ديارنا.