لماذا يكره المحافظون داخل جماعة الاخوان المسلمين عصام العريان

مصريات – صبحى عبد السلام

لم تكن تتخيل جماعة الاخوان المسلمين أن وفاة محمد هلال ـ عضو مكتب الإرشاد ـ كانت ستفتح أبواب الخلاف على الجماعة بهذا الشكل الذي انتهى باستقالة مهدي عاكف مرشد عام الجماعة.

فبمجرد أن تم الإعلان عن وفاة هلال تناقلت الأوساط الإخوانية أحقية عصام العريان ـ مسئول القسم السياسي في الجماعة ـ الصعود بشكل آلي لمكتب إرشاد الجماعة التي تنص لائحته أن يكون عدد أعضاء المكتب 16 عضواً، وذلك وفقاً لقاعدة أرستها الجماعة أنه في حالة وفاة أي من أعضائها يحل محله عضو مجلس شورى الجماعة الذي حصل على أعلى من 40 % من أصوات الناخبين في آخر انتخابات أجرتها الجماعة للمكتب.

وهو ما ينطبق على عصام العريان حيث حصل على أكثر من 40 صوتاً من 105 وهو ما وفر له نصابا لائحياً زيادة عن الـ40% خلال الانتخابات التي أجرتها الجماعة في العام الماضي وأثمرت عن تصعيد خمسة أعضاء بالمكتب وهم: سعد الكتاتني وسعد الحسيني ومحمد عبد الرحمن وأسامة نصر ومحيي حامد.

عصام العريان

عصام العريان

ومن هنا بدأ الخلاف بين الاخوان المسلمين حين أبدت عناصر محافظة في مكتب الإرشاد رفضها تصعيد عصام العريان بحجج تنوعت واختلفت فقال أعضاء في المكتب إنه يجب أن تتم عملية الإحلال وفقا لانتخابات جديدة بين أعضاء مجلس شورى الجماعة، بينما اعتبر عدد من شباب الجماعة الذي يصنف وفق تيار الإصلاحيين أن هذه الحجة دون مبرر؛ لأن القاعدة لها سوابق شهيرة كان أشهرها تعيين محمود عزت ـ أمين التنظيم الحالي ـ و خيرت الشاطر ـ المعتقل حالياً ـ كأعضاء في مكتب الإرشاد عام 1995 عقب وفاة كل من إبراهيم شرف وأحمد الملط، كما تم أيضاً في تعيين الدكتور محمود حسين ـ عضو مكتب إرشاد عن إخوان جنوب الصعيد ـ عقب وفاة الشيخ أبوالحمد ربيع.

وقال أعضاء في المكتب مثل سعد الحسيني والذي انضم مؤخرا لعضوية الإرشاد أنهم ليسوا في حاجة الى دعم المكتب بأعضاء جدد مبرراً ذلك بأن عددهم حاليا (21 عضواً) يزيد عما تنص عليه اللائحة (16 عضواً فقط)، وبالتالي فهم ليسوا في حاجة الى تطبيق هذه القاعدة على عصام العريان.

الردود والمبررات اعتبرها التيار الإصلاحي داخل الجماعة تعبر عن كراهية للعريان ولأفكاره وللتيار الذي ينتمي إليه، زاد هذا الشعور بعد إعلان عاكف ـ مرشد الجماعة ـ بتصعيد عصام العريان تطبيقا للقاعدة وهو ما لاقي رفضاً جماعياً من أعضاء المكتب بزعامة الدكتور محمود عزت ـ أمين التنظيم ـ رغم أنه هو نفسه صعد للمكتب وفق هذه القاعدة، ومع إصرار أعضاء المكتب على رفض عصام العريان حاول عاكف الالتفاف عليهم بتصعيد العريان نائباً له وفقا للائحة التي تجيز له اختيار نوابه، وعندما قدم هذا القرار كانت نتائجه جلسة عاصفة ومشادات كلامية طويلة جعلته هو شخصياً وهو مرشد الجماعة أن يقدم استقالته احتجاجا على هذا الأسلوب الإقصائي غير المبرر في حق عصام العريان.

خليل العناني ـ الباحث في شئون الحركات الإسلامية ـ أرجع رفض المحافظين لتصعيد عصام العريان لمكتب الإرشاد لكرههم للتغيير حسب تعبيره، وقال إن مشكلة المحافظين مع عصام العريان هي في شخصيته وأفكاره وخطابه السياسي والإعلامي، كما أنهم يخشون من أنه في حالة تصعيد العريان سيصبح خطابه السياسي والإعلامي أمام الرأي العام وكأنه يعبر عن الجماعة بالإضافة الى شيء مهم وهو أن قيادات الاخوان يخشون من عدوي وفيروسات الأفكار الإصلاحية أن تنتشر داخل الجماعة وبالتالي زيادة شعبية العريان، وهو الأمر الذي يجعلهم يبذلون محاولات حثيثة لتحجيم ومحاصرة هذه الأفكار التي يتبناها أقطاب الفكر الإصلاحي مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور عصام العريان والدكتور جمال حشمت والدكتور إبراهيم الزعفراني.

في حين يرى ضياء رشوان ـ الباحث في شئون الحركات الإسلامية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ـ أن رفض مكتب الإرشاد بجماعة الاخوان المسلمين لتصعيد العريان لعضوية المكتب ليس سببه تحفظ أعضاء المكتب لشخص العريان، كما أنه ليس لكونه إصلاحياً خاصة أنه لا يصنف نفسه أو يصنفه الآخرون على أنه الممثل للتيار الإصلاحي ولا يحسب على الإصلاحيين بنسبة 100%، بل إن الذي يمثل الجناح الإصلاحي هو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.

وقال رشوان إن ما يسمي بالجناح المحافظ قد قبل بعضوية أبو الفتوح في مكتب الإرشاد، وهو الأمر الذي يشير الى أن التحفظ على عضوية العريان في المكتب ليس لكونه إصلاحيا ولكن السبب الرئيسي في تمسك المحافظين بموقفهم الرافض لتصعيد العريان يرجع الى أنه لن يكون مطيعا بالقدر الكافي خاصة أن له آراء ومواقف مستقلة بالإضافة الى انفتاحه على جميع وسائل الإعلام وعلى جميع التيارات والأطياف السياسية، وهو الأمر الذي يثير انزعاجا وتحفظا كبيرا لدي المحافظين بالإضافة الى أمر مهم جدا يتقدم على الأسباب السابقة، وهو أن قيادات الاخوان المتحفظين يرفضون قبول العريان تحت الضغط والإجبار وبأسلوب ليّ الذراع الذي مارسته الصحف ووسائل الإعلام.

في الوقت نفسه تهرب محمود عزت من الرد المباشر عن سبب كراهية أو رفض تصعيد العريان قائلاً: إن الضجة التي أثيرت حول موضوع تصعيد العريان لعضوية مكتب الإرشاد لا تصب في مصلحة الأمة خاصة أن هذا الأمر لا يستحق كل هذا الصخب الإعلامي، مشيراً الى أن هناك قضايا تهدد الأمة بدءا من الاحتلال الصهيوني لفلسطين مرورا بالاحتلال الأمريكي للعراق و أفغانستان؛ بالإضافة الى الشأن الداخلي في مصر خاصة مواجهة الفساد والاستبداد والاعتقالات التي يقوم بها النظام الحاكم ضد الاخوان لمناصرتهم فلسطين والذين يبلغ عددهم 300 معتقل مغيبين في غياهب السجون: أطالب الناس أن تقرأ كلام وتصريحات العريان نفسه والذي نحسبه أنه صاحب دين وصاحب خلق؛ حيث يؤكد في كل تصريحاته أن موضوع تصعيده لمكتب الإرشاد هو مطروح ليتم تطبيقه وفقا للوائح الجماعة، بل إن العريان قال في تصريحاته أيضا تعليقا على هذا الموضوع أن فيه انتخابات قادمة وسيلتزم بما ستسفر عنه نتائج هذه الانتخابات.

ورداً على سؤال عن أن ما يسمى بالجناح المحافظ داخل الجماعة يتحفظ على تصعيد العريان بسبب ما سبق وأن صرح به عن أن الجماعة يمكن أن تعترف بإسرائيل، قال عزت إن الجماعة قامت بتوضيح الموقف من الاعتراف بإسرائيل على لسان المرشد العام وعلى لسان العريان نفسه خاصة أن موقف الاخوان المسلمين ثابت غير قابل للتغيير وهو التمسك بكامل أرض فلسطين من النهر الى البحر، أما ما يردده الإعلام بأن العريان ينتمي الى ما يسمي بالجناح الإصلاحي وأنه يتبني مواقف مختلفة عن المواقف التي تتبناها الجماعة فهذا شيء لا يمكن تصوره ولا يوافق عليه العريان نفسه. كما أن محاولة تصوير الأمر وكأن في الجماعة جناحين أحدهما إصلاحي والآخر محافظ فهذا غير صحيح ولن يحدث أبدا داخل الاخوان لأن ما يحمي الجماعة طوال تاريخها هو إيمانها بربها ودينها. وأكد عزت أن موضوع العريان أخذ أكثر من حقه وتم تضخيمه بصورة تثير الاستغراب، حيث تم عرضه ومناقشته داخل مكتب الإرشاد بطريقة ديمقراطية ووفقا لقواعد ومبادئ الشورى مثله مثل غيره من مئات القضايا التي تعرض على مكتب الإرشاد لمناقشتها.

وعلق ضياء رشوان أن العريان سيتم تصعيده للمكتب؛ لأنه يحظي بحب واحترام الجميع، وليس صحيحاً أن رفض تصعيده بسبب أن أحدا يكرهه، وأضاف قائلا: أنا واثق من أن العريان سيدخل مكتب الإرشاد في الدورة القادمة، كما أعرب رشوان عن اعتقاده بأن الأزمة التي شهدتها الجماعة هذا الأسبوع خاصة بعد خروج المرشد مهدي عاكف غاضبا ملوحا بالاستقالة لن تؤدي الى انقسامات وانشقاقات في صفوفها وستحافظ الجماعة على وحدتها وتماسكها لتواجه الضغط الحكومي والقصف الإعلامي.

ورغم الضغط التنظيمي الذي قام به عاكف، مضيفاً له الضغط الإعلامي بعد خبر استقالته لم يخفف من الضغوط والتشويه التي يتعرض لها العريان حيث وصفته قيادات محافظة في الجماعة أن لديه شهوة السلطة وقيادة الجماعة، وهو ما يختلف مع منهج الجماعة «لا نعطيها من طلبها»، في حين وجه كارهو العريان اتهاما له بأنه وصديق عمره عبد المنعم أبو الفتوح «أردوغان مصر»، حيث تصور قيادات الاخوان لقواعدهم أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد خان أستاذه أربكان وانشق عن حزبه بحزب «العدالة والتنمية» لينافسه، بل زاد هؤلاء الكارهون بوصف العريان وأبو الفتوح بأنهم عملاء مجموعة الوسط التي انشقت عن الجماعة عام 1996 وتقدموا للجنة الأحزاب بطلب إنشاء حزب إسلامي تحت اسم «الوسط».

في حين اعتبر أمين تنظيم الاخوان ما يحدث داخل الجماعة حاليا نقاش ديمقراطي يحدث بصفة يومية داخل مؤسسات الجماعة بما فيها مكتب الإرشاد وليس صراعاً من أجل مغانم دنيوية أو عرض زائل، وقال إن هذه ليست أخلاق الاخوان المسلمين  ولا يتبعون هذه الأساليب، وشدد على نفي ما تردد عن أن مهدي عاكف قدم استقالته من منصبه كمرشد وأنه يمارس عمله داخل مكتبه بصورة اعتيادية، وأضاف: المرشد أكبر من كده والاخوان جماعة كبيرة وتسير وفقا للمنهج الرباني الذي أمرنا بالتمسك بالشورى ونحن ملتزمون بها في كل مؤسسات الجماعة وفي تطبيق لوائح الجماعة، كما أن الاخوان المسلمين ملتزمون دائما بأدب الحوار وأدب التعامل.

انتهى كلام عزت كراهية عصام العريان تخطت كل الحدود بين التيار المحافظ داخل الجماعة، واعتبروا تصعيده للمكتب حرباً كانت يجب أن تحسم لصالحهم حتى تصل رسالة الى جمهور الإصلاحيين داخل الجماعة بأنه لا مكان لأفكارهم المنفتحة بين صفوف التنظيم الذي يقودونه هم نحو عزلة قد لا تستطيع الجماعة أن ترجع عنها إلا بعد سنوات طويلة.

كراهية عصام العريان تعبر وبشكل واضح عن تبني صبحي عبد السلام المحافظين أفكار سيد قطب في العزلة والتقوقع داخل التنظيم والاهتمام بالبناء الداخلي والتربية على حساب العمل العام والمشاركة السياسية.

اخبار ومواضيع ذات صلة:

أضف تعليقاً