الاغتيال السياسي عند قدماء المصريين

‬الاغتيال السياسي عند  الفراعنة

‬الاغتيال السياسي عند الفراعنة

الاغتيال السياسي عند  الفراعنة

‬جمال الدين سالم

جاء في الاساطير المصرية القديمة التي يرجع تاريحها الي عصر ماقبل التاريخ أن‮ »‬أوزوريس‮« ‬وأخاه‮ »‬ست‮« ‬وأختيهما‮ »‬إيزيس‮« ‬و»نفتيس‮« ‬كانوا أول الهة حلت بالأرض لتحكمها،‮ ‬وكان‮ »‬أوزوريس إلها للخير و»ست‮« ‬إلها للشر فاختصما علي عرش البلاد،‮ ‬وأحب المصريون الأول لعدله وحسن سياسته وبره برعيته،‮ ‬بينما كرهوا الثاني لظلمه وخبث طويته مما أوغر صدره علي أخيه،‮ ‬فأنتقم منه ووضعه حيا في تابوت ذهبي وقذف به إلي عرض البحر المتوسط وحملته الأمواج إلي سواحل لبنان‮.‬
‮ ‬وكانت هذه أول مؤامرة للاغتيال السياسي عند القدماء المصريين،‮ ‬وقد انتهت كما روت الاسطورة بثورة المصريين وعلي رأسهم‮ »‬إيزيس‮« ‬ضد إله الشر فهبوا يبحثون عن إله الخير في كل مكان حتي وجدوه وأعادوه إلي الحياة،‮ ‬ولكنه أبي أن يستقر في هذا العالم الذي امتلأ بالحقد والضغينة،‮ ‬فأرتفع الي السماء تاركا الثأر من اعدائه لابنه‮ (‬حورس‮) ‬الذي استطاع أن يقتل عمه‮ (‬ست‮) ‬وخلص العالم من شره وأذاه‮!‬
‮ ‬وفي سنه ‮٠٠٤٢ ‬ق.م حدثت في بلاط الملك‮ (‬بيبي الأول‮) ‬من ملوك الأسرة السادسة محاولة أخرى للاغتيال السياس فقد كان لهذا الملك زوجة من أميرات البيت المالك وصل بزواجها الي العرش ولكنه لم‮ ‬يكتف بها فتزوج‮ ‬غيرها من بنات الشعب حيث أصهر إلي بيت من أكرم بيوتات الصعيد بزبيدوس،‮ ‬وقد أثار هذا‮ ‬غضب زوجته الأولي وأحبت أن تنتقم لنفسها‮ ‬ولكرامتها فحاولت قتل الملك،‮ ‬ولكنها فشلت ولعلها نجحت في قتل ضرتها،‮ ‬فلما انكشف أمرها وقدمت للمحاكمة عمد فرعون إلي تعاطف بيت‮ ‬أصهاره الاقوياء بأن تزوج من أخت زوجته المقتولة كما عهد في تولي العرش من بعده إلي إبنه منها‮ (‬مرن رع‮).‬
‮ ‬أما في الدولة الحديثة‮ (٠٣٥١ ‬ق.م‮) ‬تلك الدولة الفتية التي قامت علي سواعد الابطال من أبناء الصعيد وبقوة سلاحهم فلاعجب أن أصبحت دولة عسكرية كان للجندية فيها حظ عظيم،‮ ‬كما كان للبطل القائد والحاكم الحازم‮ ‬الذي حرر البلاد‮ ‬منزلة خاصة في نفوس المصريين فهوالذي خلصهم من أعداء البلاد وحطم الاستعمار ونفث في البلاد روح العزة والكرامة فشعر كل مصري بكرامته كما شعر بالامتنان للجيش وقائده الذي كان سببا في كل ذلك فارتفعت منزلة الجندية بين المصريين خصوصا عندما أصر حكام البلاد العسكريون في مقاومة مؤامرات الكهنة ودسائسهم والحد من نشاطهم الذي استفحل أمره وزاد شره منذ مطلع الدولة الحديثة،‮ ‬وطغي نفوذ‮ ‬هؤلاء الكهنة علي نفوذ الحاكم،‮ ‬وأصبحت المعابد وملحقاتها المنتشرة في كل أنحاء البلاد دويلات داخل الدولة المصرية واستطاع الكهنة أن يصلوا الي حكم البلاد بأنفسهم وأسسوا الاسرة الحادية والعشرين‮.‬
‮ ‬ولن تخل الحوادث التاريخية من ظهور حاكم شجاع استطاع أن يقف‮ ‬في طريق أولئك الكهنة ويصد طغيانهم وقد بدأ الاحتكاك بينهم وبين‮ ‬
‮(‬أمينوفيس الثالث‮) ‬من ملوك الاسرة الثامنة عشرة حينما بدا له أن يحد من شوكة كهان آمون فتربصوا له به وبه وتنمر لهم ثم أعلن عليهم حربا مادية أدبية لم يعهدوا مثلها من قبل،‮ ‬فسلبهم بعض سلطاتهم،‮ ‬وشهربهم‮ ‬وبأعمالهم بين طبقات الشعب،‮ ‬وضيق عليهم الخناق،‮ ‬ولكن الموت حال بينه وبينهم،‮ ‬وتلاه في الحكم ابنه‮ »‬إخناتون‮« ‬الذي ماكاد يستوي علي العرش حتي اتبع سياسة والده في التخلص من نفوذ الكهنة ولكنه رأي أن يضربهم الضربة القاضية ويتخلص من نفوذهم مرة واحدة لأنهم أصبحوا خطرا علي سلطته‮.‬
‮ ‬فقام بثورته المعروفة في السنة السادسة من حكمه حوالي مائة عام‮ (٧٧٣١ ‬ق.م‮) ‬ليتخلص من أولئك الكهنة ومن سلطانهم‮ ‬،‮ ‬ولكنه خاف سطوتهم فترك لهم العاصمة‮ »‬طيبة‮« ‬واتخذ تل العمارنة عاصمة جديدة لملكه وقد خشي الكهنة نجاح ثورته والقضاء علي نفوذهم وثروتهم فتأمروا علي قتله حتي يتخلصوا منه،‮ ‬وأرسلوا إليه أحد رسلهم ومعه أجنبيان من محترفي القتل وليقوموا باغتياله في العاصمة الجديدة،‮ ‬ولكن عيون رجال البوليس كانت لهم بالمرصاد فأسرع إليهم مدير البوليس المدعو‮ (‬ماحو‮) ‬فقبض عليهم وساقهم الي دار المحافظة حيث قدمهم الي وزير الداخلية،‮ ‬وقد سجل كل هذا في أحد مناظر مقبرة‮ (‬ماحو‮) ‬سالف الذكر‮.‬
وهناك محاولة أخري حدثت‮ ‬لاغتيال الملك رمسبس الثالث من ملوك الاسرة‮ ‬العشرين وقد تولي الحكم بعد كفاح مرير،‮ ‬واستمر في كفاحه مدة طويلة يغالب أعداء البلاد ويدفع أذاهم عن مصر،‮ ‬ولكنه ابتلي بحرب داخلية شنها عليه كهان آمون ليخلو لهم الجو ويتحكموا في البلاد فقربوا إليه‮ ‬زوجة‮ ‬غير رسمية له تدعي‮ (‬تي‮) ‬وحرضوها علي قتله ليصبح ولدها ملكا علي عرش البلاد ووعدها بالمساعدة وجمعوا من حولهم بعض المتأمرين ونسجوا جميعا خيوط تلك المؤامرة بكل دقة ودهاء واتخذوا لأنفسهم اسماء مستعارة مبالغة في الحرص فسمي الامير(بنتاور‮) ‬كما سمي أحد المتآمرين‮ (‬الاعمي‮) ‬وسمي‮ ‬غيره‮ (‬خبيث طيبة‮) ‬وسمي ثالث‮ (‬عدو زع‮) ‬وهكذا ولقد استطاع المتآمرون وعلي رأسهم رئيس الخدم‮ »‬بييك كامن‮« ‬وساقي الملك‮ »‬سد سورع‮« ‬أن يحصلوا علي معونة عشرة من موظفي الحريم‮ ‬،‮ ‬وست نساء كما تمكنوا بمساعدة بعض الكهنة من الحصول علي موافقة بعض قواد الجيش للانضمام للحركة بعد‮ ‬مقتل الملك وكان رأسهم القائد بيس‮ (‬Payes‮).‬
‮ ‬وقبل تنفيذ المؤامرة،‮ ‬عدل أحد أفرادها عن الاشتراك فيها،‮ ‬فكان لذلك أكبر الاثر في فشلها وافتضاح أمرها،‮ ‬فقبض عليهم جميعا،‮ ‬وأمرالملك بمحاكمتهم أمام محكمة خاصة مكونة من أربعة عشر قاضيا ضمانا لعدالة الحكم‮.‬
‮ ‬وقد‮ ‬أدانت المحكمة عشرة من المتهمين والمتهمات ومنهم الامير الصغير وقد أمروا بأن ينتحروا أمام المحكمة وحكمت علي بقية المتآمرين بقطع آذانهم وأيديهم ما عدا ذلك المتآمر الذي عدل عن الاشتراك في المؤامرة فقد اعتبروه‮ (‬شاهد الملك‮) ‬وحكمت المحكمة ببراءته‮.‬

اخبار ومواضيع ذات صلة:

أضف تعليقاً