طقوس التعليم المفضوح ونظام السوبر ماركت

طقوس التعليم المفضوح ونظام السوبر ماركتطقوس التعليم المفضوح ونظام السوبر ماركت

مصريات
د. أحمد دراج

في عاموده اليومي 7 أيام في المصري اليوم في يوم الأربعاء الموافق 22/7/ 2009 تناول الكاتب الصحفي محمد البرغوتي قضية التعليم المفتوح تحت عنوان التعليم المفضوح، الذي كشف فيه بعض عيوب التعليم الكارثية على البنية العلمية والاجتماعية وكان اختياره للعنوان اختيارا موفقا- إلى حد بعيد- في وصف أحد أنواع التعليم الجامعي التي أدخلته معظم الجامعات الحكومية في الآونة الأخيرة، وكانت بداياته في جامعة القاهرة ثم انتشر كالفطر في الفلاة.

وفي مقالين متواليين في المصري اليوم في 1/8، 8/8/ 2009 تناول الدكتور عمرو الزنط تحت عنواني ” بعض تداعيات التعليم المصري” وفي سبيل التقدم العلمي ” أثار فيهما قضية التلقيم الفوضوي للمعلومات الذي يؤدي إلى التشوش في ذهن الطلاب وضمور ملكة النقد، وكان لأستاذنا الدكتور سعيد إسماعيل عشرات الدراسات والمقالات عن تاريخ انهيار التعليم بعد تحويله إلى حقل تجارب للفاشلين والمعوقين ذهنيا، ولكن من يرى ومن يسمع ؟ فبالأمس القريب ( 27 يوليو 2009 ) كتب د/ عبد المنعم سعيد أحد رموز لجنة السياسات مقالا بعنوان ” الثروة من الحجر إلى البشر ” ويعبر عن حالة التشوش الذهني لمن يتصدون لقيادة هذا البلد إلى أعماق جب التخلف بثقة يحسدون عليها.

إن حكوماتنا غير الرشيدة وغير الأمينة على مصالح الشعب المصري تقوم بدور يحسدها عليه أعداء مصر لتفانيها في تدمير التعليم ومعه مستقبل الأجيال القادمة بقيادة وزراء التعليم العام والعالي السابقين والحاليين، فالوزير الأول يواجه كوارث التعليم العام بإسهال من التصريحات البلهاء، والثاني يواجه النقد الموضوعي لسياسة التعليم العالي بمزيد من الإخلاص لقاعدة ” التطنيش” الذهبية ودن من طين والأخرى من عجين ” ليثبت أن سياسة الصلف وصلابة الرأس والتمسك بالخطأ تلو الآخر هي الطريق الوحيد للهروب من مواجهة الحقائق المرة.

وحكاية القضاء على التعليم قضاء مبرما حكاية يطول شرحها، ولن يستطيع مقال واحد أو حتى عشرات المقالات الإلمام بجوانبها وكشف عورة المدافعين عنها ( يراجع: مقال عبد المنعم سعيد )؛ لأن الغالبية العظمى من الشعب المصري لم يعد يعنيهم من أمر التعليم إلا الورقة المسماة شهادة باعتبارها صك غفران للتملص من المسئولية الدينية والأخلاقية والقومية إزاء وطن يزداد تخلفا وانهيارا لعدة أسباب تعد فوضى التعليم التمثيلي حجر الزاوية فيها، وأصبحت قضية تضليل المجتمع بوجود تعليم في أمس الحاجة إلى دراسات اجتماعية فعلية ومحاكمات شعبية حقيقية وبعرائض اتهام ودعاوى ومحاضر وجلسات استماع تضع كل مسئول أمام قضاة عدول لا يخشون سلطة البطش والتنكيل التي أجهزت على مستقبل الأجيال القادمة وحقهم في العلم والمعرفة وحق الوطن في التقدم والتنمية، فساسوا بجهل وتغنوا بتقدم علمي وجودة في سرادق عزاء للتعليم والعلم بطول البلد وعرضه.

فرغم ما تمثله عملية التعليم من شقاء وعذاب واستهلاك لطاقة وأموال الشعب وإهدار لوقت وجهد المجتمع المصري وأسره المتوسطة والفقيرة إلا أن العائد الحقيقي النافع من العملية التعليمية على الفرد والمجتمع والدولة بأسرها يبدو معدوما أو هزيلا إن أحسنا الظن، وبدلا من أن تنتفض مؤسسات الدولة بسبب حجم الهدر في المال والطاقة والوقت قررت أن تواصل الهروب من الواقع المؤلم والمخيف من خلال محورين هما:

1- إجبار الطبقات الوسطى والفقيرة على دفع ثمن تجهيلها وتعميتها لتجذر التخلف في بنيته المجتمعية أو العزوف عنه تماما.

2- اختراع وسائل تعليم موازيـة : خاص، وأجنبي، وأهلي، وإحلال التعليم المفـضوح ( أقصد مفتوح ) والكتروني محل الانتساب الموجه، وإحلال الحكومي المميز بالمصروفات بدلا من التعليم الرسمي شبه المجاني.. والحبل على الجرار.

وها نحن نرى آثار سياسات النظام الحاكم طوال 30 عاما في انهيار منظومة التعليم على كل شيء في حياتنا من سفور في قيود الجهل إلى انعدام الوعي وتماه مع الخرافات والأساطير وضمور في التفكير وضياع للقيم والأخلاق النبيلة.

إن مسئولية انهيار التعليم تقع على عاتق القيادة السياسية وكبار رجال الدولة من ورؤساء الوزارات ووزراء التعليم العام والعالي في معظم الحكومات السابقة منذ أواخر السبعينات، وأبواقهم في الصحف والقنوات التلفزيونية المسماة بالقومية، وإن كان لحكومة نظيف ووزيري التعليم من جهد؛ فإنه يتلخص في احتكار النصيب الأكبر في إنجاز عمليات الهدد بدأب كبير حتى آخر حجر.

فالسيدان يسري الجمل وهاني هلال- ومنذ جلوسهما على مقعدي وزارتي التعليم العام والعالي- لم يحركا ساكنا في تحويل نظام التعليم التلقيمي الفوضوي لكم هائل من المعلومات غير المتماسكة ولم ينتجا سوى شعارات كاذبة توزع بالجملة على المدارس والجامعات تحت شعار التقويم الشامل ونظام الجودة ومعايير التقييم.

وإحقاقا للحق، فإن وزير التعليم العالي لم يألو جهدا في تحويل التعليم الجامعي إلى نظام السوبر ماركت وأكشاك بيع السجائر والبسكويت والهامبورجر جنبا إلى جنب مع الشهادات والدرجات والتقديرات تمهيدا لنقل قاعات المزاد العلني إلى حرم الجامعات ليقف فيها أرجوزات التعليم يروجون لبضائعهم المضروبة من مؤهلات بعضها مغلف بالكرتون المقوى والبعض الآخر مغلف بالسلوفان أو الاستانلس لمن يدفع أكثر، أما ما يسمى بالعلم والمعرفة والبحث العلمي فهي ألفاظ لا معنى لها ولا توجد إلا كمفردات للدجل والشعوذة، ولا مانع – بالطبع- من استيرادها معلبة حسب الحاجة!!!.

إن الحكومات الغبية التي لم تكتف بانهيار التعليم وانتشار وباء الدروس الخصوصية والمذكرات والملخصات والغش الجماعي وتزوير النتائج وتسريب الامتحانات من الحضانة إلى الجامعة، أخذتها العزة بالإثم فتحمست- كما هو الحال اليوم- لأشكال جديدة من التعليم لإلهاء المغيبين الراغبين في ” الفشخرة ” الكاذبة بشهادات مزيفة بدون أي تعليم معترف به يمكن أن يحصلوا بها على جوائز الدولة التقديرية.

أما قضية إحلال التعليم المفتوح والإلكتروني محل نظام الانتساب الموجه وتداعياته على كل أنواع التعليم الأخرى من الحضانة إلى الجامعة وعلى المجتمع المصري حاضره ومستقبله فلنا معه وقفات في مقالات تالية- بعون الله تعالي- لكشف مدى الخداع الذي تمارسه حكومة نظيف/ هلال الالكترونية بفرض طقوس تعليم جديدة أشبه بحلقات الزار والشعوذة وإطلاق سحب الدخان الإعلامي لاستخراج عفريت الفشل من جثة حكومة الحزب الحاكم ولجنة سياساته.

اخبار ومواضيع ذات صلة:

أضف تعليقاً