مليارات على الموبايلات وملايين تحت خط الفقر

المصريين و الكلام في المحمول

المصريين و الكلام في المحمول

مصريات

52% من المصريين يعيشون على خط الفقر و17  مليونا تحت ورغم هذا ننفق مليارات على الكلام في  الموبايل

بيع الهوا إلى شعب بياع كلام ،ظاهرة كانت تستدعي  الحديث مع متخصص لبحث أسبابها وآثارها ، لذا حاورنا  الأستاذ الدكتور فتحي النادي أستاذ الإدارة وتنمية الموارد  البشرية بكلية إدارة الأعمال بالأكاديمية العربية للعلوم  والتكنولوجيا.

*كيف ترى علاقة المصريين بالمحمول في الوقت الحالي؟
-مش عايز أقول كلام تقليدي، لكن سأربط العلاقة بالتغيير  اللي حصل في المجتمع المصري بشكل عام، أنا في  صراع طوال الوقت مع طلابي في المحاضرات علشان  يقفلوا الموبايلات، وهم يتحايلون على ذلك بجعل هواتفهم  صامتة ، وبالتالي عينهم على الشاشة طول الوقت، وعندما  أدخل المحاضرة أظهر لهم أني أغلق الموبايل، رغم أهميته  لي ، وأضحك عليهم وأقولهم مازحا اللي فيكم أهم مني  يرفع إيده فوق ،علشان أسقطه؟ ونظل على هذا المنوال  طوال الوقت، ووصل الأمر إلى منعي وضعهم الموبايلات  أمامهم على المقاعد .

*بم تصف الظاهرة وما دلالة الأرقام بشأن تزايد كلام  المواطنين عبر الموبايل؟
-لم أجد مسمى لهذه الظاهرة غير أن أطلق عليه سفه  الفقراء، وأسأل نفسي هل هذا مرض اجتماعي أم انتحار  جماعي، حد مش لاقي ياكل وشايل موبايل ،هل هو  وجاهة اجتماعية ويعطي صاحبه إحساسا بالأهمية ،هل هو  عند في الحكومة ، زي اللي يقطع تذكرة إلى الاسكندرية  ويضحك على العسكري وينزل في طنطا،هناك بعض  الحقائق 2 مليار شخص معهم التليفون المحمول وبعد 3  سنوات ح يوصلوا 3,3 مليار شخص ، 97% في  بلد مثل تنزانيا قالوا إنه ليس لديهم مشكلة في شراء  التليفون المحمول واستخدامه وإجمالي عدد المشتركين في  العالم العربي وشمال أفريقيا قبل عامين كانوا 75 مليوناً  منهم مصر ، وهناك 38 مقدم خدمة من الشركات في  18 دولة ، ونسبة المستهلكين كانت 15% سنة  2003 ثم أصبحت 25% سنة 2004 ، ثم 40%  في عام 2007 ، وعند ربط هذا بمعدل البطالة نرى  العجب العجاب ، العرب مثلنا ، يحبون كرة القدم لكنهم  يكتفون بالتشجيع فقط ولا يلعبونها ، وخلال مشاهداتك  اليومية ستخد شخصاً يطلع آخر على أمر ما في الموبايل،  وتلمح موبايل آخر على الترابيزة، وألوان مختلفة ، لإن  إحنا ماعندناش حاجة نعملها في العالم العربي، وجاء  الموبايل وخلانا نعمل كل حاجة ، نتكلم ، محرومين كلام  بقالنا حاجة وخمسين سنة ، وعندما تأتي وسيلة تجلنا  نتكلم في أي مكان وزمان تبقى فرصة العمر.

*هل وصل الامر إلى إدمان استخدام الموبايل والكلام؟
-دائما ما اسأل نفسي، هل ما نحن فيه مرض ولا عرض ،أشاهد أطفالا تجري في الشوارع والنوادي وفي إيديها موبايل، هناك بائعون من على كل نوع وصنف معاهم موبايلات، بل هناك كثيرون لديهم جهازين تليفون، واحد للامور الخاصة وآخر للشغل، الأغرب إنك تجد أشخاصا يبحثون عن بعضهم في نفس المبنى بالموبايل ، ولو مشي دقيقة واحدة هيلاقي زميله ، والناس اللي رايحة النادي بعد نص ساعة ،يطلبوا بعض في التليفون ويحكوا اللي هيقولوه بعد نص ساعة ، رنات ليل ونهار ، من أول ما كلت ايه النهاردة لحد سمعت عبده ابو زور ولا لأ؟ مصر 24 ساعة كلام متواصل ، لكن مفيش حد سامع حد ،لانعدام التواصل فالكلام يختلف عن التواصل.

*ألا تعتبر هذا بيعاً للهواء؟
-الكلام أصبح صناعة، وبالتالي الصانع يروج لصناعته وهناك مستهلك جاهز لشراء البضاعة، وعلشان الناس تتكلم ليل ونهار براحتهم ظهرت غرائب، منها مسابقات عجائب الدنيا السبع الجديدة، هناك رجل سويسري ذكي ، قال نخلي الناس تقول رأيها،والبلد اللي يأتي منها أكبر عدد من المكالمات تصبح صاحبة عجيبة من العجائب وظهرت مسابقات سوبر ستار وستار اكاديمي، وكان الناس في السعوجية يتصلوا ليل نهار عشان ينجحوا واحد ح يغني ، وإحنا ما شاء الله طلعنا خد من عندنا ، وطلعت عميدة كلية الاعلام وقالت إنه رايح يرفع اسم مصر عالياً ، ولما اتفرجت عليه في التليفزيون لقيته عمال يبوس كل الموجودين على المسرح، رجالة وستات ، وبكده اسم مصر اترفع عاليا! تجد أيضاً رسائل قصيرة في البرامج التليفزيونية وتنبؤ بنتائج المباريات، تاخد وقت على ما تسجل اسمك وموال، واحد قاعد يفسر احلاماً ، والناس تبعت له ، اللي شاف فيل أسود، و اللي شاف ديك رومي ، واللي عصفور زن في ودانها، وطلبات جواز ،أتمنى أعيش وأشوف استطلاعات رأي تقول إيه رأيكم في اللي بيحصل في فلسطين أنا أول واحد ح أقضي وقت في الموبايل أعبر فيه ، ولو حد طلبني على الموبايل باسأله لو قدامك تليفون أرضي أطلبني او اطلبك.

*ألا يتناقض هذا مع تدني أجور المصريين وأوضاعهم الاجتماعية السيئة؟
-عندنا في مصر عجيبة الدنيا الثامنة، بلد متوسط دخل الفرد فيها 800 دولار في السنة وينفق مليارات على الكلام في الموبايل ، بلد فيها 15 مليون عايشين في العشوائيات ومقابر، بلد فيها 52% بيعيشوا على خط الفقر و 17 مليونا تحت خط الفقر ، و21 مليون أمي لا يقرأ ولا يكتب وفي الخارج الأمية تقاس بالكمبيوتر ، هناك 2 مليون مصري يقل دخلهم عن دولار يعني أقل من 6 جنيهات و 15 مليون عاطلا ،  ونصيب الفرد من الخبز رغيف لكل واحد ، لكن الارقام دي كلها بتتعامل مع الشعب اللي معاه الموبايل ، و 61% من المنازل فقط تصلها مياه الشرب، و 87% تصلها الكهرباء ، شعب بيستورد نصف الاكل الذي يأكله ، ترتيبنا في تقرير التنمية البشرية 122 بين 170 دولة، قبلنا دول مثل الصومال ، وأغنى 20% من السكان في مصر يحصلون على نصف الدخل القومي ، و الـ80% من الشعب يتقاسمون النصف الثاني، لو إن الكلام ده كله و الاتصالات دي كلها بتتكلم في أي بلد كان لازم نبقى على رأس الدول المنتجة في العالم، كل هذه المليارات في الاتصالات و المكالمات لابد أن يكون لها مردود ، ح نخلي 10% منها للأسرة و الاصدقاء ، يبقى 90% منها إما للبيع والشراء وحل المشكلة.

*ما الآثار الشعبية لإدمان الشعب الكلام في الموبايل؟
-الآثار السلبية أولها إنعدام الاحساس بالآخر، أصبح هناك اكتفاء ذاتي،  فلم يعد هناك وقت للجلوس مع الاولاد ولا الزوجة ولا الاصدقاء، إضافة إلى الانغلاق على الذات ، وبالذات اللي عندهم بعض الخلل في المواجهة الاجتماعية ، أصبح التليفون حلا لإرسال رسالة قصيرة أقول فيها كل اللي نفسي فيه، أو أكلمك وأنا مستخبي وراء ستارة موبايل ، كما نتج عنه إحساس متضخم بالحرية ،تقدر تعمل كل اللي انت عايزه، تتصور وتتكلم وتسجل وتقدر تشوف اللي بيكلمك لو معاك الجيل الثالث ، ثقافة الضجيج  تأصلت ، بعدما كانت السيارات ديسكو تك متحرك، أصبح معاك جهاز ديسكو متحرك طول الوقت ، وأصبح هناك اعتداء على خصوصية الآخرين ، ونتج عنه إفساد الذوق العام بشكل عام.

*هل هناك دراسات تؤكذ ذلك؟
إحدى الجامعات أخدت عينة من 1300 شخص لمتابعتهم لمدة عامين زواج ونرى تأثير استخدام الموبايل على حياتهم الأسرية ، معظم العينة قالوا مبقاش فيه خط فاصل بين البيت و الشغل ومعظمهم قالوا عندنا مساكل أسرية واقتصادية ،الآباء يصرخون من الثانوية العامة والدروس الخصوصية العائد على الكلام لا يتناسب مع الاستثمار والحاجة الى الموبايل اصبحت طول الوقت ، وتوحشت المنافسة بين الشركات الثلاثة والمواطن الضحية في النهاية.

* لكن بالتأكيد هناك جوانب إيجابية؟
-هناك جوانب إيجابية ،خلق فرص عمل في الخارج، فكل فرصة عمل في قطاع الاتصالات يقابلها 8 فرص عمل أخرى في قطاعات أخرى ، البيع والصيانة والكروت ويمزح قائلا اللي بيسرق الجهاز عشان يببيعه، وبالتالي ممكن قطاع الاتصالات يستحوذ على 25% من قوة العاطلين عن العمل حاليا، في البحرين 5% من الدخل القومي يأتي من قطاع الاتصالات ،هناك عائد، في الاردن زاد عدد العاملين في قطاع الاتصالات بنسبة 42% خلال 4 سنين ،والبورصات استفادت منه كوسيلة جيدة وسياسيا أصبح الموبايل أداة ردع ،وهناك قضايا في المحاكم، لكن بالنسبة للي بيرتكبوا الانتهاكات ده أثر سلبي لكن للمظلوم أثر إيجابي وإدارة الذات والحاضر أصبح ملغياً، مضروبين شومة على دماغهم لايشعرون بما حولهم بينما هم يتحدثون في الموبايل ، مش واخدين بالهم من أي حاجة ، وقدرة الناس في الاعتماد على نفسهم قلت، لو ريس تطلب أي مرءوس يققوم بشغلك ، وإجازة الوقت إنسى ، وعندنا ثقافة لا تحترم الوقت، ومفيش حد يعتذر عن التأخير والحجج 6 أكتوبر ابن الكلب و المحور ابن الكلب.

*هل هناك سلبيات أخرى نتجت عن استخدام الموبايل؟
-لم يعد هناك تخطيط وكل حاجة بتتعمل في لحظتها وحوادث الطرق حدث ولا حرج و الدراسات تقول إنك عندك من 18 إلى 20 سنة وتقود سيارة يبقى تصرفك وردود افعالك زي اي واحد عنده 70 سنة، إحنا شغالين ليل نهار، وبالتالي التأخر على الفرامل ح تتأخر شوية ،بيئيا و صحيا الموبايل يؤثر على التركيز، ولو أطلت مدة الحديث تشعر بسخونة الموبايل على ودنك إذا زادت المدة عن 20 دقيقة ، وهناك خطورة من ملايين البطاريات التي يتم إلقائها في الزبالة.

*ما الخلاصة إذن؟
-نحن نضيع الوقت العالم كله عايش عصر المعلومات وإحنا عايشين عصر الكلام

حوار محمد الجارحي

مصر و الموبايلات

اخبار ومواضيع ذات صلة:

أضف تعليقاً