يوم عاشوراء …. الانفجار الشيعي والتوظيف السياسي

يوم عاشوراء

يوم عاشوراء

يوم عاشوراء عند الشيعة

يوم عاشوراء …. الانفجار الشيعي والتوظيف السياسي

مصريات

تمر على العراقيين هذه الايام مناسبة عاشوراء، ذكري استشهاد الامام الحسين بن على “رضي الله عنه”، وهذه الذكرى لها في الذاكرة العراقية اكثر من وجه في التحليل والتطبيق، فالموضوع لايتعلق فقط باحياء ذكري دينية لها خصوصية مذهب معين من المذاهب الاسلامية، بل يرجع يوم عاشوراء في تطبيقاته السياسية عند المحللين الى ذلك الافتراق بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية، في سياق ابراز التنافس مابين مذهبين وصل الى حد الصراع العقائدي بين الدولتين، فنقلت الدولة العثمانية الكثير من تطرف الاستانة على هذه التطبيقات، فيما وجدت الدولة الصفوية في وجود مراقد الائمة الاطهار “عليهم السلام” في العراق، منفذا للتدخل في الشأن العراقي حتى وصل الى غزوه في العصور الوسطي، وسقوط بغداد بيد الدولة الصفوية لاكثر من مرة ،فظهرت اوائل حالات تطبيق المنهج الصفوي التعامل مع هذه المناسبة حينما جاء شاه فارس الصفوي الى العراق لزيارة مرقد الامام على بن ابي طالب “رضي الله عنه”، وهو يسير على اربع ويقوده من حبل ربط بعنقه، احد اصحاب العمائم، حتى دخل الى مرقد الامام على في النجف الاشرف.
ولعل ابرز المفكرين الايرانيين تميزا للفارق ما بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي، الدكتور على شريعتي، في كتابه المعروف “التشيع العلوي والتشيع الصفوي”، وسرعان ما انتقل الامر الى حالة صراع بين الدولة القاراجية، التي انشأها الشاه رضا بهلوي والد اخر ملوك ايران محمد رضا بهلوي، وبين امتدادات النفوذ داخل الحوزة العملية للنجف الاشرف اثر ما عرف بثورة المشروطية عام 906، وصدور فتوي من المرجع الاعلى في حوزة النجف بالامتناع عن التدخين، ابعد توقيع الشاه الايراني لعقد بيع حق صناعة التبغ لشركة بريطانية، فتراجع عنه واعلن دستوراً جديداً لايران، الدولة الحديثة بعد ان كانت تسمي بدولة فارس، هذه الحالة لم تطبق في العراق الا في زيارة وحيدة لوزيرالخارجية الايراني الدكتور على ولاياتي الى النجف الاشرف اواسط التسعينيات من القرن الماضي،هذا العرض التاريخي البسيط، نقل ما يعرفه علماء الاجتماع السياسي، بتطور الظاهرة المؤقتة الى عادة تدخل في صميم التقاليد الاجتماعية المتوارثة، بين الجمهور المتلقي، فبعدما كانت عادات التشيع الصوفي، لا تمارس في العراق، الا من قبل اتباع الدولة الصفوية الايرانية، وبترجيح من قبل بعض علماء الحوزة، فان هذه الظاهرة نقلت الى حالة الممارسة السياسية.
والمثير في الامر بأنها نقلت الى ممارسة جماهيرية في تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي، بعد حظره من قبل حزب البعث، بعد الاختلاف بين قيادات الحزبين وهروب القيادة الشيوعية الى الدول الاشتراكية في حينها، وكانت مواكب العزاء الحسيني التي ينظمها الحزب الشيوعي العراقي معروفة في الكاظمية والحرية والشعلة والكرادة من مناطق بغداد، باعتبار ان المسيرة الجماهيرة الوحيدة التي لا تحتاج الى تصريح من وزارة الداخلية هي المواكب العاشورائية، وكانت القصائد التي يطلقها بعض الشعراء الشعبيين المحسوبين على الحزب الشيوعي، تشعر النظام والمواطن بانتقادات الشارع السياسي له، في مفاصل اقتصادية بارزة مثل الاموال التي كان النظام السابق يقدمها للكثير من الحركات التحررية في الدول الافريقية ليس لاكثر من مساندتها له في منظمة عدم الانحياز التي كان الرئيس المخلوع يشعر بأهمية زعامته لها بعد موت الزعيم العربي جمال عبد الناصر.

وتعاملت المنظمات الحزبية في المناطق ذات الكثافة الشيعية بدعم سخي لهذه المواكب، بل ان اغلب المواكب كانت تستلم اعانات كبيرة من حزب البعث لتسيير شئونها، والصرف على نفقات الاطعام في ليلة عاشوراء، فالمصروفات التي تصرف على المواكب المعروفة باهظة التكاليف، ويقوم مسئولو المواكب بجمعها من العوائل الميسورة واصحاب المحلات التجارية في اول صلاة جمعة بعد عيد الاضحي المبارك.

وتشمل هذه المصروفات، ايجار المكان الذي ينظم فيه الموكب خلال يوم عاشوراء، وتكاليف “الرواديد” وهم المنشدون لقراءة القصائد الحسينية التي تصاحب عادة باللطم على الصدور، ثم طبخ نوعين من الطعام صبيحة يوم العاشر من محرم “يوم عاشوراء” الذي وقعت فيه معركة الطف، ويتضمن “الهريسة” وهي الطعام الذي طبخ للمقاتلين من اصحاب الحسين في يوم الواقعة، والثاني هو طعام الغداء وهو عبارة عن الارز المطبوخ، ونوع من المرق يسمي “القيمة” وهوخليط مابين الحمص واللحم، ويقال في الروايات ان بعض اهالى الكوفة قد قدموه لعيال الحسين بعد او خلال المعركة، ولا اعتقد بأن اولئك القوم كانوا بحاجة الى الطعام بقدر حاجتهم الى الاسناد في القتال.
فكانت المواكب الحسينية، تعتمد غالبا على تبرعات الناس ولكن اشتداد التوظيف السياسي لها، خلال السبعينات وبشكل خاص نصف عقدها الثاني، جعل حزب البعث يصرف بسخاء
على هذه المواكب التي تعد بأكثر من 500 موكب معروف في عموم المدن العراقية، وفي بغداد وحدها هناك حوالى نصف هذا العدد.
وجاء التغيير بعد ما عرف بأحداث “خان النص” عام 1977، وهو موقع اثري ما بين النجف وكربلاء، يتجمع فيه القادمون نحو كربلاء في يوم عاشوراء، ونقل للنظام عبر وسائله الامنية ان ثمة تجمعاً لمظاهرات تتخذ من المواكب الحسينية غطاء لها للتنديد بالنظام والمطالبة بنظام اسلامي “مذهبي” كما جاء في بيان اصدره مجلس قيادة الثورة في حينه.
وكانت هذه المحاولة باكورة نشاط حزب الدعوة الاسلامية الذي يتزعمه اية الله العظمي الشهيد محمد باقر الصدر، الذي اعدم من قبل النظام العراقي السابق عام 1981، فصدر بعدها قرار يمنع تنظيم مواكب عاشوراء، بل ان النظام بوسائله الامنية ربط كل من يشارك في هذه المواكب، او يقوم بزيارة عاشوراء لكربلاء، بتنظيمات حزب الدعوة، الذي اصدر قرارا يعتبر من ينتمي اليه متهما بالخيانة العظمي والعمالة للجمهورية الاسلامية بعد وصول اية الله الخميني وبعد سقوط النظام، سارع رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية، الراحل محمد باقر الحكيم الى توظيف انتقال المظاهر الصفوية في التعامل مع المناسبات الدينية في المجتمع العراقي جنوب وبعض وسط العراق، الى تقاليد وعادات اجتماعية متوارثة، ودعا قبل وصوله الى العراق لتنظيم اول زيارة جماعية في ذكري وفاة الامام موسي الكاظم في بغداد، واستطاع عبر خطبة حماسية تحريك ذلك الوجع الاجتماعي من قرار منع المواكب العاشورائية، ومنع النظام المنهار تنظيم الزيارات المعتادة عليها في ذكري وفاة الائمة من ال بيت النبي “عليهم السلام “، فكانت استجابة اهل المناطق الشعبية من اولئك الذين تعودوا على ممارسة هذه الشعائر الاجتماعية ــ الدينية، بشكل منقطع النظير، وتدافعوا من جهات بغداد الاربع ومن خارجها للوصول الى منطقة الكاظمية شمال شرق بغداد، وهي ذات الزيارة التي وقعت فيها مأساة جسر الائمة اثر التدافع الهائل للزوار فوقه بعد عامين، وقضي جراءها اكثر من الفي مواطن، وبعد ان كانت هذه المواكب تنظم من قبل متبرعين عادة ما يكونون من اهالى المنطقة التي يسمي الموكب باسمها، باتت هذه المواكب تخرج اليوم باسم الاحزاب الدينية مع احتفاظها باسمها القديم، ولكن تنظيم دخولها وحمايتها داخل كربلاء يعود الى الحزب الذي ينظمها، ما بين حزب الدعوة بفروعه الثلاثة، وتنظيمات المجلس الاعلى للثورة الاسلامية الذي اوجد مؤسسة متخصصة بالتبليغ الاسلامي يراسها نجل رئيسه عبد العزيز الحكيم، فضلا عن مواكب التيار الصدري، وهناك تنافس محموم ما بين هذه المواكب في اظهار الولاء لآل بيت النبي يضاف الى ذلك توظيف المشاعر الجياشة المعروفة في علم الاجتماع السياسي، بأن كل ما يمنع عنه الناس يصبح مرغوبا، فما بالك وهناك جهات سياسية تروج لذلك، فأخذت الكثير من هذه المواكب تضم بعض البعثيين الذين يسعون لــ “التوبة” عن ما فعلوه خلال حكم الرئيس المخلوع صدام حسين، واضحوا اشد الناس مغالاة في اظهار تشيعهم بالطريقة الصفوية، والسؤال لماذا كل هذا الارث من التوظيف السياسي لهذه الواقعة الاليمة، بعد مرور اكثر من 14 قرنا عليها؟
الاجابة المنطقية على ذلك، ان احد ولاة بغداد، من الذين يعرفون بالمتنورين، بعد حكم مدحت باشا لبغداد وانتقاله ليكون الصدر الاعظم للدولة العثمائية اواخر القرن التاسع عشر، قد منع الناس من تنظيم هذه المواكب، بكونها حالة معيبة للرجال باللطم على الصدور، فضلا عن تحريم اللطم على الميت في الشريعة الاسلامية، ونقل له بعض الوشاة بان سرداب السياسي العراقي جعفر ابو التمن يمتليء بالناس الذين يلطمون على صدورهم فيما تقوم النسوة بالدق فيما يعرف بالجاون، وهوجهاز خشبي لتنعيم الحنطة بعض مرورها بالطحن في المجرشة الحجرية، ويكون صوت الطرق بالجاون عازلا لسمع الصوت الصادر عن اللطم ،فنقل الوالى الامر الى مدحت باشا الصدر الاعظم في الاستانة، فرد عليه “هل يأذون انفسهم ام يأذون السلطنة” واضاف “انهم بالتأكيد يأذون انفسهم فاتركهم وشأنهم” ولكن بعد ظهور الدولة الايرانية الاسلامية، لم يعد امرا يترك فيه الموكب العاشورائي لشأنه، واجادت الاحزاب الدينية في استنهاضها، وتوظيفها لصالح حصد اصوات الناخبين.

اخبار ومواضيع ذات صلة:

1 comment
  1. كشف الاسرار 19/09/2012 02:55 -

    السلام عليكم :
    ان صاحب المقال لعله متوهم في ماكتبه في مقاله وهو بعيد كل البعد عن مفاهيم وقيم عاشوراء وليس لها دخل في السياسة والافضل له ان يميز بين الحزب الشيوعي والشيعة ومادخل العلمانيين الماديين الشيوعيين في عاشوراء الحسين-ع- ماهذا الاتناقض؟

أضف تعليقاً