اغبى خمس اتهامات توجه للسينما المصرية

منى زكي من فيلم احكي يا شهرزاد

منى زكي من فيلم احكي يا شهرزاد

مصريات

تمر السينما المصرية بفترات ازدهار و فترات هبوط ، لكنها تظل أهم إنجازات المصريين الباقية حتى الآن ، فهي مازالت قادرة على الاستمرار و الإمتاع و الإحباط  و إثارة الجدل .. إنها من الأشياء الجميلة القليلة القادرة على البقاء و إثارة المرح و الشغب رغم ما بها من بعض الأمراض و هناك إجماع على أهمية السينما المصرية و تأثيرها في أجيال من العرب و ليس فقط المصريين ، و رغم أن انتقاد سلبيات السينما من الامور الايجابية التي تحث السينمائيين على التجويد و تلافي العيوب ، فإن بعض الانتقادات و الاتهامات التي توجه للسينما تعبر عن حالة من الغباء الشديد و انعدام القدرة على فهم طبيعة الفن السابع و دوره في تشكيل وجدان المجتمع ، و بعض من يتناول السينما من الكتاب و الصحفيين و المتحدثين في القنوات الفضائية صكوا بعض الاتهامات للسينما المصرية التي اصبحت تتردد كأحكام مطلقة على ألسنة كثيرين رغم سطحيتها و سذاجتها .
يقف البعض و يتمطع و يظن أنه جاب الديب من ديله حينما يتهم السينما المصرية بالإسراف في رصد مشاكل المجتمع دون أن يقدم حلا واحداً ، و يصفها هؤلاء بأنها سينما سلبية كثيرة الشكوى تغرق في وصف المشاكل و تصويرها دون أن تقترح الحلول الإيجابية للمشاكل التي تتحدث عنها ، و يتحجج أصحاب هذه المقولة بأن هناك حالات قليلة قامت السينما بهذا الدور ” المثالي” من وجهة نظرهم ، و من هذه الحالات فيلم “أريد حلاً” الذي قامت ببطولته النجمة الكبيرة “فاتن حمامة” عن قصة “حسن شاه” الذي تناول مشكلة الطلاق بصورة أدت إلى تغيير بعض قوانين الاحوال الشخصية في مصر.
و الحقيقة أنه لا توجد سينما في العالم تقوم على أن يقدم السيناريست حلا لكل مشكلة يتناولها في عمله ، فهذا الطلب يحمل السينما ما لا طاقة لها به و يحول دور الفن من الترفيه و الرصد الفني و الإنساني إلى دراسات اجتماعية و سياسية و اقتصادية بعيدة عن روح العمل الفني ، ويعبر هذا الأمر عن خلط شديد بين دور الفن التنويري و دور الهيئات الحكومية في حل مشاكل الناس، و يقول أصحاب هذا الرأي -بقصد أو بدون قصد- لصناع السينما : اخرسوا و لا تتحدثوا عن مشاكل ما دمتم لا تملكون الحل ، و هذا هو الغباء بعينه .
الاتهام الأكثر انتشاراً من إنفلونزا الختازير و أكثر فتكا من إنفلونزا الطيور ، هو إتهام صناع الأفلام بتشويه سمعة مصر بعرض مساوئ المجتمع أو فساده و أيضاً تصوير قاع المجتمع القبيح و العشوائيات بكل ما فيها من قبح و بلطجة و انهيار أخلاقي ، وهذه السينما لا تجد من أصحاب هذا الرأي أي تحية على الجرأة في اقتحام مناطق مؤلمة و حساسة تتجاهلها الحكومة لأنها غير قادرة على حلها ، و لا تجد في عقول هؤلاء أي أفق يستوعب مناقشة قضايا حساسة مسكوت عنها مثل أطفال الشوارع و الختان و الشذوذ الجنسي و العنف و كأن السكوت عن مثل هذه القضايا سوف يحلها بمعجزة…المهم أن تبقى صورة مصر نظيفة و صفحة مجتمعها ناصعة البياض حتى  و لو بالكذب و التجميل و النفاق و تهمة الإساءة لسمعة الوطن التي يطلقها البعض دون وعي ، و هي تهمة تنتمي في الأساس إلى نوعية التهم التي تطلقها الأجهزة البوليسية لترويع المثقفين و الفنانين .

أما اتهام السينما الجادة بأنها غير نظيفة تروج للانحلال الاخلاقي و العرى من خلال رصد الشخصيات الشاذة و المنحلة أو غير السوية فهو اتخام ظالم و مجحف ، فإذا ظهرت صورة رجل شاذ في فيلم أو فتاة سحاقية كانعكاس للموجود في الواقع ، فلا يعني ذلك أن السينما تروج للشذوذ و إذا ظهرت شخصية عاهرة أو فتاة مستهترة فلا يعني أن السينما تروج للانحلال ، و رغم أن واقع السينما يتعامل مع شخصيات الحياة و البشر ، فالبعض قد يقبل تصوير اللص و القاتل و النصاب في السينما ، لكنه ينزعج من أي شخصية درامية لها مشكلة تتعلق بالجنس و لا يعني عجز بعض صناع الأفلام عن تقديم أفلام ذات قيمة فنية و لجوئهم إلى الاثارة الجنسية أو البذاءة كوسيلة لجذب الجمهور أن كل السينما المصرية ” أبيحة” و قليلة الادب ، فهناك خلط شديد بين الفيلم العائلي الموجود في العالم كله و الذي يراعي مناسبة موضوعه و تفاصيله للأطفال و المراهقين و بين الفيلم الذي يقدم لجمهور من الكبار لديهم من النضج الكافي التعامل مع الموضوعات الحساسة التي ترصد و تكشف الحقيقة مهما بدت مخجلة .

علاقة السينما و الدين تمثل الحساسية الأكبر لدى الشريحة الأكبر من المجتمع فيكفي أن يطلق شخص ما على فيلم ما أنه يعادي الدين حتى يتحول صناع الفيلم من خانة الفنانين الى خانة الكفار ، فإذا ظهرت شخصية فتاة محجبة يتوقع الجميع أنها يجب أن تكون ملاكاً طاهراً بجناحين ، و إذا حدث العكس يتم تأويل الأمر  على أنه إهانة و تشويه للمحجبات و إلى الدين الاسلامي ، ومن المحرمات المتوارثة مثلا تقديم الشخصية المسيحية بصورة إنسانية تحمل الخير و الشر و مناقشة مشاكل إنسانية لشخصية مسيحية يصبح أمراً محفوفاً بالمخاطر قد يصل إلى الاتهام بتعمد إهانة الدين المسيحي ، و هي أمور تعرضت لها أفلام مثل “واحد صفر” و قبله “بحب السيما” .

احمد زكي من فيلم ابراهيم الابيض

احمد زكي من فيلم ابراهيم الابيض

أما أغرب الاتهامات التي توجه للسينما المصرية فهي تلك التي تصل أحيانا إلى ساحات القضاء من أصحاب مهن معينة يرون أن السينما شهوت صورتهم ، و لا يفرق هؤلاء بين رسم شخصية درامية خيالية أو حتى اقتباس شخصية سيئة من الواقع لتضم إلى عمل درامي و بين تعميم الرأي في طائفة معينة ، هناك عشرات الاتهامات للسينما بتشويه صورة المحامي و المدرس و الطبيب .. منها اعتراض مجموعة من الاطباء مؤخرا على قيام المطربة مروى بتجسيد شخصية طبيبة في فيلم “دكتور سيليكون” و كانت المشكلة أن ملابس مروى لا تتلائم مع ملابس طبيبة ، و وصل الأمر الى أن أسرة بلطجي رفعت قضية على صناع فيلم “ابراهيم الابيض” تتهمهم فيها بسرقة قصة حياة مسجل خطر يحمل الاسم ذاته و من الوارد أن تقوم رابطة البلطجية باتهام الفيلم بتشويه صورة البلطجية و المسجلين خطر ؟ّ!

إيهاب التركي

اخبار ومواضيع ذات صلة:

أضف تعليقاً