ثقافة التنوع.. وقبول الآخر

ثقافة التنوع.. وقبول الآخر

ثقافة التنوع.. وقبول الآخر

ثقافة التنوع.. وقبول الآخر

مصريات
بقلم:رامي عطا

أبدع الشاعر الكبير صلاح جاهين “1930 1986 م” رباعيات شهيرة. يقول في إحداها: لولا اختلاف الرأي يا محترم.. لولا الزلطتين ما الوقود انضرم.. ولولا فرعين ليف سوا مخاليف.. كان بيننا حبل الود كيف أتبرم؟ عجبي!!!!
لقد وجدت هذه الأبيات مناسبة ونحن نتكلم في موضوع التعددية والتنوع وحق الاختلاف وقبول الآخر. حيث تمثل التعددية أو التنوع سمة أساسية من سمات الحياة. فالمجتمع البشري الإنساني ومنذ بدء الخليقة يتميز بأنه يزخر بالتنوعات ويموج بالاختلافات. وبالطبع ليس المقصود هنا الخلافات والصراعات والتناحرات وانما الاختلاف الطبيعي بين البشر. وذلك على عدة مستويات منها الدين واللون والجنس أو النوع الإنساني والانتماء الفكري والأيديولوجي.. الخ.

ان التعددية في جوهرها ظاهرة صحية وسليمة. أظن انه لا غني عنها في المجتمعات الحديثة.. الناهضة والمتمدينة. حيث تمثل التعددية حالة مجتمعية من حالات الغني والثراء تؤثر إيجابياً على الانتاج الثقافي للشعوب بشقيه المادي/ الحضاري والمعنوي/ الروحي. كما ان التعددية ترتبط بمعاني الابداع والابتكار والقدرة على التجديد.
وثقافة التعددية والتنوع ليست ثقافة مناهضة لوحدة المجتمع. كما انها ليست ضد تماسكه وقدرة أبنائه على العيش المشترك.. الإيجابي والفعال. إذ أن التعددية لا تعني الفرقة والانقسام. وإنما التنوع الخلاق الذي يشبه لوحة فسيفساء جذابة نتمتع بالنظر إليها. ومن ثم فإنه يمكن أن تكون التعددية في إطار الوحدة دون تعارض. ولعل أبلغ مثال على ذلك ثورة 1919 م التي جمعت أطياف الشعب المصري على قلب واحد حيث التف الجميع حول شعار “الدين لله والوطن للجميع”. وكان لهم هدف مشترك هو “الاستقلال التام أو الموت الزؤام”.

لقد شهد تاريخنا الحديث والمعاصر الكثير من المعارك الفكرية التي تعلقت في حقيقتها بحق الاختلاف وحرية الرأي والتعبير. حيث وقف البعض الى جانب هذا الحق مؤيداً لتلك الحرية. بينما أنكرها البعض الآخر. أذكر هنا انه عندما خرج المفكر المصري قاسم أمين “1863 1908م”. المعروف بمُحرر المرأة. على المصريين بكتابيه الشهيرين “تحرير المرأة 1899 م” و”المرأة الجديدة 1900 م” انه ظهرت كتابات كثيرة تناولت قاسم وكتابيه بالكثير من التجريح والإساءة لشخصه. ولكن في المقابل كان هناك من فكَر في الرد على الفكر بالفكر وعلى الرأي بالرأي وعمل على مواجهة الحجة بالحجة دون سباب ودون تجريح. ولعله ذات الأمر الذي حدث مع الدكتور طه حسين “1889 1973 م” حين وضع كتابه “في الشعر الجاهلي” في عشرينيات القرن العشرين. إذ وقف الرجل بين فريقين أحدهما أيد حريته في البحث والتفكير وحقه في الاجتهاد وفريق آخر أنكر عليه تلك الحرية.

إن الإيمان بثقافة التعددية والتنوع. في الانتماءات والأفكار.. الخ. يساعد كثيرا على تحقيق مساحة أكبر من قبول الآخر واحترامه وتقديره. وقبول الآخر هنا لا يعني أن تتخلي عن آرائك ومعتقداتك. وانما هو إيمان حقيقي واعتقاد صادق بحق الآخر المختلف عنك في الوجود والتعبير عن ذاته وطرح آرائه دون اتهامه بالعمالة أو التخوين أو التكفير أو حتى اتهامه بغياب المعلومات أو نقصها.

قد يكون من الصالح لنا الإيمان بأن لا أحد منا يمتلك الحقيقة المطلقة. واننا جميعاً نسعي ونجتهد. وان الحقائق التي نصل إليها هي حقائق نسبية ترتبط بما يتوفر لدينا من معطيات. وانه دائما يبقى لكل منا إسهامه دون تهميش أو استبعاد للبعض.

اخبار ومواضيع ذات صلة:

أضف تعليقاً