نوال السعداوي و اليونسكو

نوال السعداوي و اليونسكو

نوال السعداوي و اليونسكو

مصريات

“راحت السكرة.. وجاءت الفكرة”، فلو كتبنا هذا المقال قبل إسدال الستار على سيناريو “اليونسكو”، ربما ظن البعض أن صاحب المقال متآمر على “فاروق حسني” وزير الثقافة، وهو الرجل الذي يمكن تعريفه بأنه واجهة حضارية لمصر والعرب بل إفريقيا كلها، وكنت أحد المتضامنين معه قلبا وقالبا في “موقعة الحجاب الكبري” والحرب الضروس والشرسة التي شنها ضده الإسلاميون على مختلف توجهاتهم السياسية والاجتماعية.

يشغلني دائما عنصر التوقيت قبل الإمساك بالقلم، فرب فاصل زمني ولو قصير، يحول القلم من ناقد شريف، الى خائن أو عميل أو مأجور، وكله حسب الأوصاف التي سادت مؤخرا بعد الانفتاح الديمقراطي على المناخ المصري برغم الآثار السلبية لهذا الانفتاح وكأن الديمقراطية والحريات في بعض جوانبها سم قاتل.

دعونا من الآثار الجانبية لتعاطي الدواء الديمقراطي، ودعونا نقول: أنا على المستوى الشخصي لا أرتاح بل ولا أقتنع من داخلي بالحالة النفسية التي تضعنا على طول الخط، تحت نظرية المؤامرة، وليدة ظروف استعمارية من الآخر واكتملت في ظل ديكتاتوريات سحقت اعتبارات طوائف الشعب المحكوم بالحديد والنار، حتى أصبحت نظرية المؤامرة في ثقافتا تمثل الشماعة العمومية لتعليق كل الأخطاء التاريخية عليها، ومن ثم دعونا نتحاور ونتشاور حول سيناريو اليونسكو بهدوء وواقعية، فليس كل ما يتمناه المرء يدركه لأن لو قدر لـ “فاروق حسني” الوزير الفنان أن يكون على رأس منظمة اليونسكو لتحررت من عقدة التفرقة بين ثقافة الشمال وثقافة الجنوب.
استعجل البعض الدخول في حلبة السباق الإعلامي بمفهوم “نظرية المؤامرة” من الآخر على مصر التي رشحت وزيرها لرئاسة المنظمة والجدير بها بكل المقاييس، وكان من المفترض أثناء المنافسة أن يدعم الإعلام المصري بكل أدواته الإعلامية “فاروق حسني”، ولكنه جاء مخيبا للآمال وارتدي درع البطولة لإظهار وكشف نظرية المؤامرة التي يمارسها الآخر ضدنا، وكل على قدر سعته في البطولات الإعلامية، وخدعنا أنفسنا بأنفسنا وما أكثر هذا النوع من “الخداع الذاتي” على مر تاريخنا.

ظن البعض أن شرح أبعاد نظرية المؤامرة الكونية ضد فاروق حسني القادمة من الولايات المتحدة حتى بوركينا فاسو هو فصيلة إعلامية لصالح الرجل، ولم يعلم هذا البعض أنه متآمر بحسن نية على وزيره المرشح لمنظمة عالمية، تماما كما دخلنا بإرادتنا الوطنية الحرة المنافسة على استضافة مونديال 2010 بإدارة إعلامية منتقدة للخبرة والاحتراف وبحسن نية أكثر من المطلوب فحصدنا أشهر “صفر” في التاريخ.

لن أدخل في مقارنات بين الصدمات القومية، ولكن فقط أقول ولو كره البعض، إن ذنب “فاروق حسني” في رقبة الإعلام المصري لكل طوائفه، الرسمي، المعارض، المستقل على السواء، فالرجل توقع أداء إعلاميا متميزا في مرحلة مهمة في تاريخ مصر، التي رشحته للمنصب، فاكتشف حتى لو لم يعلن عن ذلك، أن ظهره مكشوف إعلاميا أمام حائط اليونسكو، المرارة التي حصدها فاروق حسني ليست شخصية بل مرارة قومية بكل المقاييس.

قد يتساءل البعض ويقول: ما دليلك على اتهام الإعلام المصري بالتراجع المقصود أو غير المقصود في مساندة فاروق حسني في المنافسة على رئاسة اليونسكو، والإجابة ببساطة تبدأ بمانشيت لجريدة قومية نسبته لمصادر مطلعة ـ على حد تعبيرها ـ وقالت: إن تحركات المندوب الأمريكي تتناقض نصا وروحا مع تعهدات سابقة من الإدارة الأمريكية للحكومة المصرية.

ثم تطوع كاتب ليبرالى كبير لشرح أبعاد هذه التحركات قائلا: وقد كان موقف مندوب الولايات المتحدة في اليونسكو هو الأغرب والأكثر إثارة لعلامات الاستفهام حتى الآن، فالرجل اسمه “كيليون” وقد أرسلته الإدارة الأمريكية مندوبا لها في اليونسكو قبل رمضان بأسبوع ـ وكان ولايزال ـ يشن حملة ضد فاروق حسني ويدعو مندوبي الدول هناك الى عدم اختياره، وكان “كيليون” ـ ولايزال ـ يشن حملته دون سبب مفهوم، ودون مبرر، ودون أن يكون متسقا بأي درجة مع مواقف بلاده التي تدعو دوما الى إرساء قيم الليبرالية بين الدول.

يبدو أن شبح “بوش الثاني” مازال يسكن ديارنا، وهي نفس التصريحات التي كنا نطلقها في عهده تحت وطأة فوبيا نظرية المؤامرة التي لازمتنا على مدى ثماني سنوات، فإذا كنا لم نتغير أو بمعني أصح ليست عندنا الرغبة في التغيير في خطابنا الإعلامي فنحن نقول لهؤلاء: متي نفهم أن المنافسة على أي شيء في داخلها قدر مستباح من الأسلحة التنافسية فما هي أسلحتكم، هل هي شماعة نظرية المؤامرة التي علقنا عليها أخطاءنا التاريخية منذ 1967 مرورا بأشهر “صفر” في التاريخ الرياضي وأخيرا اليونسكو التي ذهبت مع الريح؟!

التليفزيون المصري الذي شغل نفسه وشغل الناس في رمضان بموائد الرحمن وفتاوي الدعاة الجدد، وحوارات مع كل من هب ودب من الممثلين الجدد، وزيرو تسعمية، والمسابقات، والكمين، راح في غيبوبة التسالى الرمضانية من المدفع حتى الفجر، ونسي الكمين الذي يواجه الوزير المصري هناك ليس بالمؤامرة ولكن بالإعلام الجيد والنافذ وصاحب الرسالة في ظل السماوات المفتوحة، ثم نقول راح الأمريكان يتآمرون على فاروق حسني، والاتحاد الأوروبي يتأمر، وشعبان عبدالرحيم يتآمر، لأنه لم يغن لوزير الثقافة “بحب فاروق حسني.. واكره إسرائيل”، أو كما غني لوزير المالية، في حملته الانتخابية، في شبرا مصر و الشرابية!

ثم تعالوا بنا الى منطقة أكثر خطورة من مجرد إعلام بات محتاجا الى إعادة نظر في أدائه التقليدي الغربي لم يتخل عنه على مدى نصف قرن من الزمان، ألم يعلم وزيرنا الفنان أن المناخ الثقافي المصري مراقب من المنظمات العالمية وعلى رأسها اليونسكو ومنظمات حقوق الإنسان ولجان “نوبل”، ومن ثم فعندما منحت وزارة الثقافة جوائز الإبداع لكل من الشاعر “حلمي سالم” والدكتور “سيد القمني” هل نسى الوزير المدني أن المناخ الديني أفسد طعم الجوائز بعد المطالبة بردها الى خزينة الدولة بأحكام واجبة النفاذ من القضاء المصري على خلفية القضايا التي رفعها بارونات “الحسبة” ضد المبدعين بحجة الإساءة الى الذات الإلهية والإساءة للسيرة النبوية والأسرة الهاشمية، حدث هذا في توقيت ليس في مصلحة فاروق حسني لأن ذلك ألقي بظلال الشك حول افتقاد وزير الثقافة المصري في حماية حرية التغيير وحماية الإبداع بشكل عام.
ولما كان إعلامنا على مدى نصف قرن يحتفي ويهلل لمصادرة الإبداع فقد شارك في الخصم من رصيد فاروق حسني حتى لو بحسن نية على طريقة “اللي ما يشتري يتفرج على دولة الإبداع والجوائز التي ترد الى خزينة الدولة”!

طرحت احدى جرائد المعارضة الكبري في مصر استفتاء حول منح الدكتور “سيد القمني” جائزة الإبداع وعلى المشارك في الاستفتاء أن يختار حسب رؤيته احدى احتمالات ثلاثة تنحصر في السؤال التالي: هل منح “سيد القمني” الجائزة احتراما لحرية الرأي أم مساندة وزير الثقافة في حملته للفوز برئاسة اليونسكو أم مغازلة للفكر الغربي من منطلق إطلاق الفكر بلا حدود؟

من هذا المنطلق فالاستفتاء له وجاهته، فلو افترضنا أن وزير الثقافة فاروق حسني قام بتقديم القرابين للفوز برئاسة اليونسكو لأسبقية منح الجوائز لكل من الشاعر “حلمي سالم” و”سيد القمني” قبل انتخابات اليونسكو بوقت قصير فقد نسي أو تناسي بالمقابل النصف الفارغ من الكوب وهو الأجدر بتكريم الرموز التاريخية للإبداع على مدى خمسين عاما، وهذا ليس انتقاصا من قدر “حلمي سالم” والدكتور “سيد القمني” ولكن عنصر التوقيت فقط هو الفيصل، والحق أحق أن يتبع لإعطاء كل ذي حق حقه أمام المجتمع الدولى ومنظماته الثقافية وعلى رأسها اليونسكو، فعلى سبيل المثال وليس الحصر هل تجاهل اسم الدكتورة “نوال السعداوي” ورفع اسمها من قوائم التكريم والتجاهل الرسمي لها من الدولة كان سببا جوهريا في الإطاحة بكرسي اليونسكو في الفضاء، وهي احدى الرموز المصرية والعالمية التي لم تكرم في وطنها وكرمها الآخر وإن اختلفنا معها؟!
ربما يكون ذنب هذه السيدة العظيمة أنها لم تنافق، ولم تهادن، ولم تقدم تنازلات للإرهاب الفكري، ولم تساوم، لأنها ببساطة شديدة إنسانة تحترم عقلها، وتسعي لتحرير العقل العربي والمصري من الأغلال والموروثات والدجل والشعوذة الدينية، وتقدس حرية الاختيار، قد نختلف معها كثيرا ولكن نجد أنفسنا نحترمها أكثر، فهي صاحبة أكبر “كاريزما عقلية” في القرن الحادي والعشرين!
لو كان الزمان.. غير الزمان
لو كان المكان.. غير المكان
أو حتى تلاشت الأزمنة
أو اختفت كل الأمكنة
فربما التقينا قبل الزمان
ربما افترشنا اللامكان
أو سافرت أرواحنا
على أجنحة السفر الى المحال
ربما.. ولكني مسافر في عينيك
وأبدا.. لم أفقد هويتي
في الترحال

اخبار ومواضيع ذات صلة:

3 comments
  1. احمد سعد 20/10/2009 11:32 -

    أنا كنت باحترم وأعجب بموقع مصريات لكن بعد قرأتي لهذا المقال والذي يكرم الكلبة نوال السعدوي فقد أصبحت أكره هذا الموقع ولن أدخله بعد ذلك
    موقع مصريات موقع من المواقع الصفرا

  2. mouhamed 07/10/2009 23:06 -

    wallahi inni obrido hadihi lmakhloqa la lichay2 illa annaha tajarra2at an tol7iqa iftira2at 3ala al7abibi almostafa salla allaho 3alayhi wasallam bida3wa annaho kana 3ala 7ob bikhadija ridwan allahi 3alayha watajawazay fi 3inadiha waqalat anna annisa2 alla2i yarda3na atfalahonna yochawiihi mafatinahonna wa3alayhonna biriri riri ay al7alib almostana3 qad na7tarim almakana al3ilmiyya lakin qad nobridoha fi llah ida mastamarrat fi mitli hadihi al iftira2at wahadihi attorrahat 3ala sayyidi al7aqi wa7abibi al7aqi sayyaidina med salla 3alayhi wasallam wanado laha tabaraka wata3ala an yonira laha darba al7aq wayahdiyaha incha2 allah faman yahdihi allaho la modilla lah waman uyodlil fala hadiya lah ya sa3dawi ittaqi allah frasoli al omma innaho wallahi yo7ibboki wa baka katiran min ajliki fakayfa takrahinaho watd7akin akatira lima yaf3alo biho alkafara alghadara

  3. mouhamed 07/10/2009 23:05 -

    wallahi inni obrido hadihi lmakhloqa la lichay2 illa annaha tajarra2at an tol7iqa iftira2at 3ala al7abibi almostafa salla allaho 3alayhi wasallam bida3wa annaho kana 3ala 7ob bikhadija ridwan allahi 3alayha watajawazay fi 3inadiha waqalat anna annisa2 alla2i yarda3na atfalahonna yochawiihi mafatinahonna wa3alayhonna biriri riri ay al7alib almostana3 qad na7tarim almakana al3ilmiyya lakin qad nobridoha fi llah ida mastamarrat fi mitli hadihi al iftira2at wahadihi attorrahat 3ala sayyidi al7aqi wa7abibi al7aqi sayyaidina med salla 3alayhi wasallam wanado laha tabaraka wata3ala an yonira laha darba al7aq wayahdiyaha incha2 allah faman yahdihi allaho la modilla lah waman uyodlil fala hadiya lah ya sa3dawi ittaqi allah frasoli al omma innaho wallahi yo7ibboki wa baka katiran min ajliki fakayfa takrahinaho watd7akin akatira lima yaf3alo biho alkafara alghadara

أضف تعليقاً