من هو الطائفي و من هو الوطني ؟

من هو الطائفي و من هو الوطني

من هو الطائفي و من هو الوطني

من هو الطائفي و من هو الوطني؟

كتب : مجدي خليل

مصريات

تتفشى في المجتمعات التي تطلق على نفسها دولا إسلامية ظاهرة قمع و اضطهاد الاقليات غير المسلمة ، وفي الوقت نفسه تحاول الاقليات المسلمة خاصة في الغرب فرض ثقافتها ، وقيمها على مجتمعات الاغلبية التي تعيش فيها ولا تتورع عن التمرد وتهديد كيان الدولة ذاته حينما يتوفر لها ذلك ، حتى إن بعض المحللين قالوا أن المسلمين لا يستطيعون التعايش بسلام مع غير المسلمين ، وفي أحيان كثيرة ولا حتى يستطيعون التعايش مع أنفسهم ، فحجم الحروب الاهلية في الدول التي تسمي نفسها إسلامية هو الأعلى في العالم كله .. فالعنف الموجه للآخر أو للذات هو سمة مميزة للدول الاسلامية ، ولهذا أطلق هنتنجتون على هذه الظاهرة ” عصر حروب المسلمين ” ، ويعود ذلك في تقديري إلى سيادة نمط الدولة الدينية فيها وخلط الدين مع الدولة والسياسة في هذه المجتمعات مما شكل البناء العقلي للفرد على أساس الدين وليس الوطن ، وتاريخ الدول الدينية هو تاريخ من الحروب و الصراعات والمنازعات .. فالدول الاسلامية تعيش حاليا مرحلة العصور الوسطى الاوروبية المظلمة .

في الوقت نفسه تستنكر المجتمعات الاسلامية على أقلياتها غير المسلمة مجرد المطالبة بحقوقها المشروعة وتصنف ذلك عملا طائفيا موجه ضد الدولة الاسلامية .

وتعد مصر نموذجا لهذه المعايير المزدوجة والمقلوبة فكل مرة يفتح قبطي فاه مطالبا بحقوق شعبه المضطهد تنهال عليه الاتهامات بأنه طائفي يسعى لتهديد وحدة الوطن .. وهو نوع من الارهاب لنشطاء الاقلية ، وما يدهشك أن هذا ليس رأي المتشددين وإنما رأي كثير ممن يطلقون على أنفسهم معتدلين … وهذا هو جوهر الذمية فالجزية الغيت نعم و لكن الذمية بأشكالها الحديثة مازالت تحكم علاقة المسلم بغير المسلم في الدول الاسلامية .

وإذا أخذنا بالمنطق الأعوج بتصنيف كل من يدافع عن الاضطهاد الواقع على طائفته بأنه طائفي فوفقا لذلك فإن مارتن لوثر كينج طائفي  وكان عليه أن ينتظر حتى يظهر رجل أبيض يحرر شعبه من مذلته أو أن يتبع هو رجل أبيض معتدل كما يكررون على مسامعنا في مصر بشكل ممل ،  و نيلسون مانديلا طائفي لأنه دافع عن السود دون البيض ، وكولن باول الذي خالف حزبه الدستوري وأيد أوباما من أجل تحقيق العدالة للأقلية التي ينتمي إليها في هذه اللحظة التاريخية طائفي و أوبرا وينفري التي تخلت عن حزبها الجمهوري للأسباب نفسها و شاركت في حملات أوباما الانتخابية هي الاخرى طائفية ، وكونداليزا رايس الجمهورية المحافظة طائفية أيضا للأسباب نفسها ، بل بنفس المنطق فالرئيس أوباما المعروف بليبراليته هو طائفي أيضا لأنه عنف شرطي أبيض الشهر الماضي استهدف أستاذا أسود في جامعة هارفارد .. والأمثلة كثيرة ولا تحصى .

هناك خلط متعمد في المجتمعات الاسلامية بين التعددية الدينية وما يترتب عليها من حقوق تنظمها وتقرها المواطنة الحديثة وحقوق الاقليات وبين الطائفية التي لها العديد من الصفات المهددة لكيان الدولة ذاته .

وقد حاولت من جانبي أن أضع سمات للطائفية من خلال مفهوم الدولة الحديثة و المواثيق الدولية فوجدتها كالآتي :
1- الطائفية هي استراتيجية سياسية لتدمير الدولة عبر تفكيك القواعد الحاكمة للمواطنة في الدولة الحديثة .
2- والطائفية هي أن تتحول الشرطة إلى حارس لأحد الأديان الخاص بطائفة معينة وتنسق مع المؤسسات الدينية لهذه الطائفة من أجل حراسة عقيدتها ومطاردة كل من يقترب من هذه العقيدة أو يسعى لتركها .
3- و الطائفية هي استغلال مؤسسات التنشئة السياسية والاجتماعية للترويج لدين أو لمذهب طائفة معينة في عملية هي أقرب إلى غسيل المخ وتشويه للذاكرة الوطنية والوعي الوطني .
4- والطائفية هي تسخير كل مؤسسات الدولة لصالح عقيدة أو طائفة محددة دون باقي طوائف المجتمع ، بل على العكس تقمع الدولة الطوائف الاخرى .
5- الطائفية هي قمع الآخر الذي يشكل أقلية وإرهابه عندما ينادي بالمساواة والحقوق .
6- والطائفية هي ظلم طائفة للطوائف الاخرى مما يجعل العيش المشترك صعبا وفي بعض الاحيان مستحيلا .
7- الطائفية أيضا ترتبط بالمليشاوية أو بسيطرة طائفة محددة على الاجهزة الامنية السيادية والحساسة وحرمان الطوائف الاخرى من الالتحاق بها أو السماح بوجودها بشكل رمزي تافه .
8- الطائفية هي إعلاء مبادئ وقيم عقيدة دينية أو ثقافة عرقية على القيم الانسانية المشتركة أو بما يتناقض مع مقررات حقوق الانسان الدولية .
9- والطائفية هي سحق ثقافة الطوائف الصغيرة من مكونات الدولة وإقصاؤها وتهميشها وفي الحالات المتطرفة تجريمها .
10- والطائفية تحدث عندما يهدر القانون والقضاء مبدأ المساواة لإعلاء عقيدة طائفة في المجتمع على حساب الحق الاصيل في المساواة .
11- والطائفية هي سلخ تاريخ طائفة محددة عن التاريخ الوطني العام أو تهميش تاريخ الوطن لصالح إبراز تاريخ طائفة محددة أو تزوير تاريخ الوطن لصالح تمجيد تاريخ الطائفة المسيطرة .
12- والطائفية ترتبط بالاستعلاء على الآخر شريك الوطن وبالعنصرية في بعض مراحلها .
13- والطائفية ترتبط بالتعصب و السلوك العصابي في الحق وفي الباطل .
14- والطائفية تتناقض تماما مع مبدأ المواطنة وتعمل على إهداره .
15- والطائفية تحدث عندما تكون المناداة بالحقوق تتعدى سقف المواطنة لتحقيق مزايا لطائفة بعينها على حساب الحقوق المقررة في المواطنة في الدولة الحديثة .
16- والطائفية لديها أجندة لتجزئة وتفتيت الاوطان أو ترتكب من الخطايا ما يجعل العيش المشترك مستحيلا فيؤدي ذلك إلى تفتيت الدول .
17- والطائفية هي تقديم الولاءات الفرعية والطائفية على الولاء للدولة بما يخل بالقواعد الحاكمة لمفهوم الدولة الحديثة .. وهذا يختلف بالطبع عن التضامن الانساني والطبيعي بين أفراد الطائفة الواحدة .
18- والطائفي شخص يقاد ويأخد أوامره مباشرة من زعيم الطائفة ويتباهى بذلك ، وتكون لهذه الاوامر الطائفية الاولوية على الواجبات الوطنية حتى لو تعارضت هذه الاوامر مع الواجبات الوطنية فلا تجتمع الوطنية مع الطائفية .
19- والطائفية هي شرذمة المجتمع إلى جماعات متباعدة الاهداف وفي بعض الاحيان متعارضة الاهداف .
20- الطائفية هو عبور الولاء للطائفة أو العقيدة او للعرق الحدود الوطنية على حساب الانتماء للدولة الوطنية وعندما يكون التضامن العابر للحدود مع الطائفية له الاولوية على التضامن مع شركاء الوطن من الطوائف الاخرى .

والسؤال هل السمات التي ذكرتها تنطبق على سلوك نشطاء الاقباط الذين يتحركون لتحقيق المواطنة لشعبهم وبآليات مشروعة قانونيا و دوليا أم على من يتهمونهم بالطائفية ويسعون لقمهم وارهابهم حتى يتوقفوا عن المناداة بهذه الحقوق ؟.
الحقيقة أن سمات الطائفية تعشعش في ذهن التيار الرئيسي من الاغلبية التي تهدد بسلوكها تجاه الاقلية استقرار الوطن ، ولهذا أكرر القول بأن الاغلبية صنعت التوتر والأقلية القبطية حافظت على استقرار مصر بامتصاص هذا التوتر .
عندما نقول دعنا من الاختلافات ولنركز على بناء المواطنة الحديثة نجد كلاماً رناناً دون عمل ودون نضال حقيقي من أجل إقرار هذه المواطنة والتي لا تستقيم إلا بالتحقيق في الجرائم التي تقع على الاقلية وتحقيق المساواة الحقيقية والمشاركة الفعالة التي لها آلياتها التي أخذت بها المجتمعات المعاصرة ومنها التمييز الايجابي لصالح الاقلية لمعالجة المظالم التاريخية .
عندما نقول دعنا من الاختلافات الدينية ولنعود لتاريخ مصر قبل الاديان يعترض الكثيرون بحجة أن الميراث القبطي من الفرعونية أعلى بكثير من الميراث الاسلامي منها .. وهنا يكمن المأزق المتمثل في محاولة الثقافة الاسلامية محو هوية مصر قبل الاسلام وأن هذه الثقافة لا تتعايش مع هوية وطنية جامعة .

أغلب الكتابات العربية التي تناولت الطائفية تثير الغثيان من نمطيتها وتكرارها ومحاولاتها المستمرة تحميل الاستعمار الربي المسئولية عن وجود طائفية في المنطقة متجاهلة قمع التعددية الدينية والاثنية و محاولة طمس التاريخ المشترك والهوية الوطنية الجامعة وحتى النموذج الذي تقدمه هذه الكتابات هو النموذج اللبناني هو أيضا نموذج لا يصلح كمثال ، فلبنان بلد صغير به 13 طائفة تحاول بناء العيش المشترك وجاءت كوارثه من خارجه ورغم هذا فهو أفضل من كثير من الدول العربية ، في حين أن مصر ليست بها سوى أغلبية كبيرة واقلية صغيرة وبعض الاقليات الصغيرة جدا مما يجعل المسئولية الرئيسية تقع على عاتق الاغلبية دون تهديدنا بالنموذج اللبناني وبلبننة مصر وهي مقولات سمجة عفى عليها الزمن .
ويبقى السؤال  لماذا يشارك بعض الاقباط في وصم نشطاء طائفتهم من المناضلين بالطائفية.
الاسباب متعددة لذلك تبدأ بمجاراة التيار العام وتنتهي بالعمالة .

اخبار ومواضيع ذات صلة:

1 comment
  1. بنجامين غِير 18/10/2009 14:49 -

    أدعوكم إلى قراءة تلخيصاً لمجموعة من الأبحاث العلمية تتناول الطائفية وحقوق المواطنة في عدة بلدان في الشرق الأوسط وأوروبا.

أضف تعليقاً